jeudi 13 novembre 2008

قلب الزّيتون

أعيش بإيمان أنّ القلوب الّتي تنبض للعشق، للتّجدّد، للحريّة والخلود لا تموت. وإنّ الصّراعات الّتي يعيشها المرء هي تلك الّتي تندرج في إطار مقاومة التّسلّط والعبوديّة والإستعمار مهما كان نوعه. ذلك الإستعمار الّذي يقتل ويدمّر ويحطّم.لكن إرادة الحياة هي الرجّة الكبري داخل كيان الفرد وإن سلبت الحريّة تصبح الحياة بلا معني ويصبح النّضال من أجل إستعادتها حركة فاعلة وإيجابيّة، فالوقوف مع الموت والفناء يعني أنّ لاحياة ولا حريّة و لا حبّ والوقوف بجانب الإستعمار يعني عدم الإيمان بالإنسان والأرض. الإستعمار هو الموت ، هو شلّ العقل والقلب كي يبقي الإخر حيوان يعيش بغريزة الإستهلاك، إنسان بلا عقل ولا شعور ماذا يكون ?هو حيوان للإستهلاك. والموت هو الشّيطان الّذي يحارب الإنسان عقلا وشعورا ويودّ النّزول به إلى مرتبة الحيوان وحرمانه من صفته الإنسانيّة. الإستعمار يجعل الشّعوب سوق للإستهلاك ويعتبر الآخر ناقص عقل ودين كذالك يفعل الموت مع الإنسان الّذي لا يعرف كيف يستعمل عقله وشعوره.لكنّ الإيمان بالحريّة يشعّ في النّفس ويبعث فيها الطّمئنينة ويلهمها طاقة الشّجاعة والقوّة، ذاك الشّعاع الّذي يعكس الحبّ المقدّس ويتغنّي به ويؤكّد حقيقته الأزليّة.
هذه إمرأة تمقت الضّيق والظّلام والخوف والرّعب. تنظر في عيون النّاس كلّ واحد يحمل عبئه فوق كتفيه، وقد يشعر كلّ واحد منهم أنّه يسير بثقل ولكن ذلك لا يقلقهم. هم يفهمون أنّ هناك شيئا ما يتأرجح تحت ثوبهم الهالك، هم يعرفون أنّ هناك شيئا ما ينمو داخل نفوسهم وأنّ أمرا خطيرا ملأ النّفس. أحسّت أنّ عليها أن تراجع موقفها من النّاس. إنّها تعلم أنّهم سيأتون أولائك اللّذين تكرههم وتكره الزّعيق بسببهم, حين يفتحون الباب يجب أن يصطدموا بشيئ ما.عليها أن تكتب شيئا ما.. ألقت نظرة على القلم والورقة إنّها ستسقط يوما ما على الأرض كالورقة. أحسّت بقشعريرة ثمّ إبتسمت وكتبت أيّها الإستعمار، أيّها الموت صورتك كالمدخنة سوداء، صورتك سأهدمها حتّي تبقي البناية جميلة ، كان شعور بالإنتقام يدبّ في صدرها، وكتبت الفجر يشرق بعد الظّلام, إنّها ستغادر الدّنيا بلا رجعة، هذا مستحيل وقالت في نفسها
أيّها الجسد الّذي أودّعه الأن إنّني أحبّك وكم سأظلّ أحبّك، أنا لا أؤمن بالشّؤم و لا بالخطر بل أريد أن أتحرّك داخل دائرة أشعر فيها بالحريّة والإرتياح إنّها فرحة أختزنها ليوم آخر، فهي لن تموت فيّ أبدا، إنّها مختزنة داخل صدري كالكنز داخل الأرض الكريمة أو كالماء في طبقات السّحاب.عادت تلاحق بنظرها السّواد الّذي يرافقها، يجب عليها أن تكون شجاعة وقويّة.
فكّرت كيف عليها أن تحمل مصيرها ، فكّرت أنّه يجب عليها أوّلا أن لا تعبس أبدا ،ولا تقلق ،الحياة ميدانها واسع.
أطلقت ضحكة طويلة.. أتري هذا الظّل بإستطاعته أن يزوّر شخصيتها ويظلّلها.. الظّلال على الأرض كالألواح كالأشباح
تنهّدت ثمّ قالت هذا الظلّ خال من الهموم والوساوس والأتعاب آه لو أصبح بلا همّ مثله.هذه هي السّعادة الّتي تدفع الإنسان أحيانا إلى الإنتحار ليصبح بلا آلام ولا أتعاب. لكنّها لا تشعر بالسّعادة، إنّها تعاني من الحرمان من كلّ شيئ من العلم والحبّ والحريّة. عادت تسأل من يا تري حدّق في الشّمس لتخضّ دماغه كما خضّت لها دماغها كالحليب في الشكوة? ثمّ نظرت إلى الظلّ، سارت تحمل في قلبها غصّة الغريب وأمل يحمل الخير لكلّ النّاس. ما عساني أفعل مع هذا الغريب ، إنّه يتمدّد أمامي كاللّعنة،
وينمو فيّ وقد بدأ المساء يزحف والمسافة تقصر أتري المساء سيجمعني به أم هو الصّباح.
تمشي بلا هدف وكأنّها تفتّش عن شيئ معيّن سيطعنها من حيث لا تدري ومن حيث لا تراه.
أحسّت بالتّعب ، سألته أأنت غريب عنّي?
لماذا أتيت?
ألم تتعب من ملاحقتي?
لماذا لونك حزين هكذا?
لعلّك عميل .خائن ستبيعني بكم ?ولمن?
ماذا تريد?
أن أتعرّي أمامك حتّي تقرأ تفاصيل حياتي لعلّ هذا يشبع نهمك?
إنّي أكرهك .. هل تحمل لي نفس الكراهيّة?
لعلّ أفكارنا تتّجه نحو منعرج واحد
ماذا تقول .. أوساخك في الصندوق
أيّ صندوق وأيّ أوساخ.
تصبحين على خير.
إنّي خارج سأعود
أين ستذهب أتتركني وحيدة
شعرت بالوحدة في ذاك الخلاء المفزع الّذي يصنع الخوف ويستر الشّجاعة ويمزّق الإطمئنان إعتلت متحاملة
عاودها إختناق الأنفاس في ظلمة غاطّة ثقيلة ووحدة شاسعة فلا تري ظلال ولا تري ذاتها لكنّها تحضر مشاهد متحرّكة شتّتت عقلها وفتّتت قلبها وجعلتها تنتظر أوجاعا أكثر ممّا يتحمّل جسمها ويقوي على إيجاد حلّ لحالتها المريرة.
تملمت وصعق صوت أجشّ حادّ، ذلك ما زاد في عنف رهبتها وعسر حيرتها.
الظّل يتصاعد عموديّا كالمعلّق في الفضاء ظلّت في متاهات الضّياع فارقت نفسها كلّ مستحبّات الأمن أغمضت عينها عن مشاهد النّهاية الّتي لا مفرّ منها
ينبعث الصّوت من واحة القلب فتتيه في الأصداء.
إنّها على موعد مع الغريب المجهول.
إلتفتت إلي المرآة كانت تنتزع منها خيالات أفكارها المحترقة، وترهق وجدانها بشرائط من الذّكريات. لم تهتدي إلى طريقة ترتاح لها، تاهت في الفزع، رأت أمامها كهلا مثقل، أرادت أن تستفزّه بأيّ شكل
ربّما الحديث معه فتح في عالم المجهول.
نظرت إليه رأت في عينيه بحرا يتماوج على سطحه إكتمال النّضج
قال بصوت يحمل أمواجا إفتحي عينيك، وضع نظرة على نقطين من البياض السّاكن هناك منذ الأزل كأنّهما منارة
ألقت عليهما شمس العدالة من إشعّتها إمضاء. كان يقرأ أشياء لا تفهمها، وكانت هي تنظر للبحر في عينه وكأنّها تري طيرا يتوغّل حتّي غاب في الإمتداد إلى ما لا نهاية، إنتفضت في مكانها وقالت أرجوك لا تبتعد عنّي لا تغيب كما غاب ذلك الطّير في البحر.
قال أنا هو ذلك الطّير.
صاحت لا لا أنت معي الآن .. لقد إبتلعني بحر عينيك، فيهما طيش وسلام وهروب ومغامرات إنّها ميزة مواجهة الحقيقة
مع القوّة قصد تحقيق الإعتدال مع مرآة الذّات.
الحياة دوافع وأغراض ولكلّ منّا دوره في الحياة. رفعت إليه بصرها متوسّلة إنقاظ حياتها من الموت. وقالت بصوت منفجر بالبكاء. لا تغتالني عقلا وقلبا وجسدا.
قال أنا ما جئت لهذا الغرض ثمّ قدّم لها بطاقة هويّته الأستاذ عبد الرّحمان مكلّف خاصّ بالتّحقيق.
إذا القوّة بيد من?
أنا من يا أستاذ? ومن لي أن أعرف سواك?
تخيّلت أنّها تسمع أصوات وخطوات تسرع ..
لم تعد تميّز شيئا وقد بدأ الدّوار
سألت أين أنا?
كانت سعيدة قبل أن يضيّقوا عليها الأرض، أصبحت تدرك معني السّعادة الّتي عاشت في ظلّها أعوام
ها هي في عالم آخر، عالم جديد رأته يقطع الغرفة جيئة وذهابا يمشي من مكان إلي آخر
لعلّ عالمه أوسع من هذه الغرفة وأوسع من الشّوارع، لعلّه يتخطّي المكان والزّمان، تساءلت عن أيّ شيئ يفتّش
بدأ الفجر يقترب واللّيل شرع في الإبتعاد وكان في نفسها حنين لا يقاوم ،
حنين يشبه حنين الطّفل ليوم العيد وملابس العيد وأهل العيد، شعرت أنّها تكره اللّيل بقدر ما تحبّ النّهار ونفسها فرحت لتستقبل الفجر بكلّ ما فيه من دفئ ومن نور ومن حيويّة.
سألها هل داهمك الخوف. لقد كنت من الخوف تلهثين، أجل كنت ألهث لكنّي لم أكن خائفة
قالت .. يجب أن أكون حرّة قال.. ألست حرّة ?
لا تتهكّم أنا كالسّمكة داخل الشّبكة أو كالعصفورة داخل القفص
كانت أنوار الشّمس ساطعة والدّفئ يسري داخل عروقها.
قالت لقد تجلّي الظّلام إنّه يوم عظيم.
قال إنّه بداية لما هو أعظم.
لم يعد للزّمن صلة شخصيّة معها.
إنقشعت غشاوة قلبها ورفعت نظرها في سكون عريض.
هذه الظلال التّي ترفرف على الزّرقة يتساقط منها اللّؤلؤ وتنبثق منها جداول الحبّ والعطاء، نظر في عينها فوجد نفسه في زرقة ممتدّة قد هدأت رياحها ، غاب في ذلك البحر تأمّلا حيث إستفزّه البحث عن مواقع الحرائق المتأجّجة في الإنسان، مسحت دمعة من عينها كأنّها تمسح القذارة.
وقالت له لم أكن أتصوّر أن أجد إنسان مليئ بالمفاجئات مثلك.
أريد أن أكشف عن نفسي بنفسي. أريد أن أنزع أخطائي بنفسي.
أجل لقد أزلت غشاوتك بنفسك بعقلك، بالنّظر إلى مرآة ذاتك، لقد أصبحت إنسانة وهذا أكبر كسب يصل إليه الفكر الحرّ
فعندما يتسلّق العقل أخطاء ذاته يستقرّ في هدوء الإيمان الزّاخر بالصّفاء والحبّ، فتستيقظ المشاعر في لحظة إنبهار الحقيقة وروعة الطّريق الآمن برضا عقلي ووجداني.
لقد خلّصت أفكارك من الشّرود الأرضي لتصلي إلى ميناء السّماء الخالد.
حاولت أن تتذكّر أين ذهب ذاك الصّديق كم هي مشتاقة لرؤية وجه ذلك القائد العظيم.
إنّها في حاجة إليه كي يلوذ بها كما يلوذ الطّير بأعلى الشّجرة حين يدركه اللّيل تخيّلت وجهه يفيض بالنّور
والسّعادة، سعادة المؤمن الصّادق هو رجل لا يتعبه التّعب ولا يعقّده الملل، إنّها تحبّه بكلّ صدق وإخلاص من أعمق أعماقها. لقد تركها دون أن يرهقها بالأسئلة.
لذلك أصبحت تشعر نحوه بحبّ لن يتزحزح،قد يكون هذا القائد هو الضّميرالجميل والرّابطة بيننا وبينه
أبقي من كلّ شيئ. هو الهدف الّذّي يلوح من بعيد وينبض فينا كما تنبض الشّمس..
يمزّقنا كما تمزّق الشّمس السّحب الدّاكنة لتجد طريقها إلي الأرض لتعيد لها الخصب والريّ هدفه ينبض كما تنبض القلوب بالحبّ والحنان، والقسوة والجبروت هو الّذي يفجّر من جباهنا العرق كأنّه من جسم واحد.
الضّمير لا يموت والزّمن لا يموت أنّه يعي بالنّاس الّذين يحملون في قلوبهم ثورة وحماس.
إن كانوا يحملون في أصواتهم كلمة الحريّة تلك الكلمة الّتي يتنفّسونها كالهواء ويطالبون بها كالخبز والماء ويعملون من أجل وجودها كالحياة. الزّمن يعي النّاس الّذين في وجوههم إصرار وفي أصواتهم قوّة وعزم وحتّى إن قتلوا لأجل الأرض والحريّة والحياة الكريمة فهو يطمئنهم أنّ دماء الشّهداء لن تذهب هدر.
لنكتب ونواجه بدون سلاح لأجل الحريّة والإنسان.
لنكتب ولا نخاف الظّلام
فالنّور يسحق ظلام اللّيل
لنكتب ولا نخاف الموت فالكلمة الحرّة للشّرفاء حريّة
لو أطلقوا علينا النّار سيظّلّون في هلع ورعب
لو ربطوا أعييننا سيفعلون ذلك وهم يرتعدون خوفا من الموت
كلّ حرّ مشدود للحياة بقلبه، بنبضاته
لن يموت البريئ حتّي وإن قتلوه
يضعون عليه التّراب ومع ذلك لن يموت
يتعفّن الجسد وتخرج منه رائحة تقول أنا لست للموت أنا للحياة
أنا أؤمن أنّ اللّيل سيتحوّل إلى فجر جديد
أنا أؤمن أنّ بعد السّجن لا بدّ من الحريّة..
.

Aucun commentaire: