كانت أمّي تنظر لي من خلال كرتين من الحنان والضّوء المعتّم ، من خلال تاء مربوطة عليها نقطتين وتاء مفتوحة فيها نقطتين.
أمّي تتحلّي بالصّبر والعطاء وحبّ الحياة منغرس في روحها.
أوّل ما علّمتني الصّدق والوفاء في العمل وفي المحبّة تقول إنّهما مبدئ في الحياة لا جدال فيهما.
كانت تعلّمني أنّ الثّوب لا يرفع إلاّ نظيف، ومرتبة الشّرف لا يطولها إلاّ الشّريف ، والماء حين يخرج من تحت الرّواسي يكون خفيف ،والحبّ بعد الألم كالحليب عفيف ، والقلب لا يغمره الفرح إلاّ إذا كان صاحبه لطيف. والضّوء لا يفهم سرّه إلاّ الكفيف.
ليس للعقل سلطة على أمّي. تقول أنا إمرأة متعطّّشة للوجود والحريّة عطش الصّحراء للماء، متعطّشة إلى أن أكون لنفسي لا لأجل الآخر، فها هو فرخ الحمام حين يكسوه الرّيش يتحرّر من أبويه و تصبح له حياة خاصّة به ولا يتدخّل في شؤون حياته أحد.
سألت أمّي .. إذا أنت حوريّة أو حمامة يا أمّي سقطت من السّماء فقصّ لك الرّجل جناحيك ووضعك في قفص ذهبي حتّي أصبحت دجاجة.. ضحكت أمّي وقالت تماما ما تقولين يا أبنتي
لا أحد يعلم شيئا عن الأصل الّذي منه أنحدرت.
كما لا أحد يعلم أنّ الحريّة حقّ للجميع وبها يغمر الوطن الطّهر والعفّة والجمال والفرحة.
ها نحن بالعبوديّة وصلنا إلى حدّ أصبح كلّ واحد منّا غير قادر على تحمّل الأخر وسط الأكاذيب والغشّ والخيانة أكثر ممّا تحمّل.
أمّي هل سنتوصّل يوما إلى تغيير أنفسنا ومن ثمّ تغيير العالم
تنهّدت وكان زفير صوتها كأنّه منبعث من أعماق البحر محمّلا بثقل صبر قديم متناه في القدم
كانت تسألني لماذا للرّجال سلطة الدّنيا والدّين ?وماذا للنّساء? كانت تسأل هل الأرض لهم والحريّة لهم فقط
حين كنت أقرأ لها رواية ، كانت ترافق السّارق لباب الدّار وتسأل الحروف عن سبب الدّاء، كانت تقلّب الكلمة كأنّها ستجد تحتها قطّة أو عقرب أو ذئب أو عفريت.
لماذا النّساء يعشن كالبهائم خاصّة اللّواتي في المنازل وراء القضبان أليس لهنّ وجود، أليس لهنّ حقوق، أليس لهنّ إستشارة.
من يقرأ لهنّ حساب، جلهنّ لا يقدرن على تبليغ أصواتهنّ. هنّ موجودات بالفعل وثمّة أطفال أيضا موجودون كذلك.
يا للحقارة الأمّ والطّفل تحت مسؤوليّة رجل فقير ينفق عليهم بما أملاه عليه عقله الجاهل والاّمسؤول.
من المسؤول عن حقّ الأمّ والطّفل? هل هو الهوى? هل هو الحبّ ?هل هي الدّول? هل هم الأزواج?
تقول لو أحدهم يخبرني عن العذراء من هي.. والإبن الحرّ من هو?
وما معني الشّجرة وما معني العصفور?
وما معني العدالة وما معني المساواة?
لو أحدهم يخبرني عن روحي، وهل لي روح خاصّة أم لا، وما عساها تكون. ولماذا عندي روح وماذا تشبه
هل روحي مكنسة أوساخ ملقاة وراء الباب?
أم هي فلفل أحمر تهرّس بالمهراس? أم هي وعاء من صديد? كيف يفعلون بروحي هكذا?
ثمّ رفعت صوتها على تلك الصّخرة الّتي تدعي أبي
و قالت ..بودّي أن أسألك هل الشّجرة تغرس من القلب أو من الأوراق?
قال أبي من القلب طبعا ..قالت ..وماذا في قلبك شجرة دفلي أم شجرة دقلي?
كم يلزمك من وقت حتّي تفهم الشّجرة?
كم يلزمك من حبّ حتّى تكون عندك شجرة أوراقها متعادلة?
وكم يلزمك من صبر حتّي تصير عندك زيتونة مملوءة بالزّيت ، زيت يكسب متناوله قوّة ونشاط.
وبما أنّك لا تفهم الشّجرة فأنت لا تفهم العذراء ولا تفهم الزّوجة ولا تفهم الأمّ ولا تفهم الأنوثة
تريد نفسك كالعصفور حرّ
أيّ حريّة تنشدها بجناح واحد والأخر مكسور.
هل لك أن تخبرني كيف ستتحرّر من منبتك الأرضي ?
لا بدّ بالظّلم وليس بالعدل ، بالكذب وليس بالصّدق ، بالخيانة وليس بالوفاء
بالإكراه وليس بالعشق ، بالمال وليس بالكمال، بالغريزة وليس بالعقل
بالعبوديّة وليس بالحريّة.
كان أبي يحدّق لأمّي وكانت في أشدّ ثورتها، وبدأنا أنا وإخوتي نشتمّ رائحة الزّيت المحروق بينهما
في الصّباح إستفاقت كعادتها تطهي الحليب وتحضر الخبز وتعدّ مائدة الأفطار
إلاهي ما أقواها تتصرّف وكأنّ شيئا لم يكن.
سألتها ما الّذي وقع بينكما البارحة يا أمّي. ألم يضربك أبي... ألم يهدّدك بالطّلاق
لقد أصبحت عجوز حذاري وهو شباب.. شباب يا أمّي شباب
ضحكت وقالت أنا واعية بما أفعل وإنّي لست ضدّ أبيكم ، نحن نواكب الأزمة جميعا
سألت أبي ما رأيك بأمّي ..
قال حائرا. لكأنّي تزّوّجت بإمرأة أخري بدأت أتعرّف عليها الأن أماّ زوجتي كنت أجهلها.
أمّك تريد أن تقلب الأشياء رأسا على عقب، تريد أن تزرع في كلّ قلب شجرة لتمسي الحياة خضراء
مزهرة الأرض والبشر.
هل أنت سعيد يا أبي?
سعيد وخائف في نفس الوقت
ما الدّاعي للخوف?
أسئلتها غريبة غاية في الغرابة
كيف ستجيبي إن سألتك كيف الإنسان يسلّم جثّته للموت?
سؤال غريب يا أبي ليس لي عليه جواب.
ضحكت أمّي وقالت يا لكم من أغبياء
هل يوجد أجمل من جسد الإنسان على الأرض
هل يوجد أجمل من القول والفعل
هل هان العقل، هل هانت اليدين، هل هانت الكلمة، هل هان العمل والإبداع
ماذا فعلتم بكلّ ذلك?
كيف يرضي هذا الإنسان أن يغيّر له الزّمن شكله ولغته
قلت أمّي هل يتغيّر الإنسان إلى شيئ آخر.
قالت وهل تتغيّر الدّودة فراشة، والقلب شجرة، والبيضة عصفور؟
أيّ إنسان حرّ لا يرضي أن يلقي به في سلّة المهملات أو في مصبّ الفضلات
كالكلاب والقطط والدّواجن.
من هو هذا الإنسان إن كان لا يسعي للرّفعة والتّحرّر من الظّلال والخطايا
أليس للعقل حرمته وللشّعور كذلك?
تقول أمّي هل فعلا يلزمنا هذا العقل وهذه الأحاسيس ، وهذه الأيادي
الدّين وراءنا وليس أمامنا..
هل لنا أن نفرّق بين الحريّة والعبوديّة
كيف هي تصرّفات عقل العبد وكيف هي تصرّفات عقل الحرّ?
هل لنا أن نفرّق كيف يحضر الحيوان طعامه وكيف يفعل الإنسان?
وكيف يتكلّم الحيوان وكيف يتكلّم الإنسان?
سألتها أمّاه هل تحبّين زوجك?
بصراحة لست أدري.
لكن ما معني أن يحبّ المرء?
وهل في الملكيّة والعبوديّة هناك حبّ?
عشت مع زوج ملأ قلبي خوف ورعب، يعاملني معاملة البهائم والإبل والدّجاج وصبرت صبر جدّتي وجدّة جدّتي
وتراكم صبري قرون وقرون حتّي تبخّر مصيري في الاّجدوي. مسكين هذا الزّوج سرت عالة عليه أنا وأبنائي
وليس له قدرة أن يوفّر لنا العيش الكريم. نصيبه أنّه تزوّج بإمرأة كالبهيمة تسهلك فقط وليس لها عمل وليس لها أجر
قلت لكن أمّي أنت تعملين في المنزل وتربّين الأطفال، عمل المنزل غير معترف به لا بدّ من مردود يعود على أصحاب
الأموال بالفائدة.. الطّفل أمام المال لا يمثّل شيئا وأنا بلا عمل لا شيئ.
حجبوا على النّساء نورالحقّ والعلم.. ونور المحبّة والحريّة، كلّ المشاكل الّتّي نعيشها سببها معاداة المجتمع للمرأة..
حجبوها كالغراب في خرقة سوداء فلا ندري ماذا تحت السّواد.. وماذا في الظّلام. لا بدّ عقول نيّرة متطلّعة لمستقبل واعد ومشرق.
تقول بإمكان الإنسان أن يغيّر بيتا أو مدينة أو بلد لكن هل هو قادر أن يغيّر ما بنفسه، من يدري لعلّ النّفوس والقلوب في حاجة إلى أن تدهن بالأبيض مثل المقابر والمنازل.
تتوق أمّي للعلم والحريّة توق الأرض للماء والضّوء، تقول هذه السّماء يا إلاهي ما أحلاها وما أروعها وهذه الطّيور المتحرّرة، سماء بلا حدود ليس فيها أديان وليس فيها معارك بين أجناس الطّير..هذه الحضارة زحفت بنا إلى مأوى العجز والمجانين فكلّما سمعت بإختراع جديد مثل التّلفزة والحاسوب والمذياع والهاتف يركبني الغضب كما لو كانت النّار مكتومة بأعصابي منذ زمن بعيد .
لا أحد من أبنائي قادر أن يفسّر لي شيئا عن تلك الإختراعات..
فأنا بسيطة وساذجة لدرجة أنّي أتصوّر المذياع صندوق يتكلّم أو هو ساحر أو جنّ ملمّ بجميع شؤون الحياة.
نواكب هذا التطّوّر حتّي ولو كان فيه حدفنا..في تلك الآونة جاء أخي ليحملنا بسيّارته الّتي جلبها من خارج الوطن، وكان أهل القرية ينظرون إلي أخي كأنّه بين عشيّة وضحاها أصبح أمير . فمن له سيّارة في قريتنا يتصرّف مثل الملوك والسّلاطين، حتّي أنّ صبايا القرية كلّ واحدة تتمنّي لو يخطبها أخي ويحملها ولو مرّة بسيّارته ويجول بها في أنحاء المدينة.فبنات قريتنا ليست لهنّ دراية بالسّيارات و لا بالإختراعات ولا بالعلم ولا بالثّقافة ولا بالفنّ.
لهنّ دراية بترويض البغال والحمير والبقر والعمل في الأرض بأجور زهيدة للغاية.ذهبنا مع أخي للمحكمة لحضور جلسة فريدة من نوعها ، إنّها فتاة أجبروها على الغناء يوم وفاة والدتها. في الطّريق كان النّاس يحتفلون بعيد النّصر وبرز رجل صفّقت له الجماهير وكان أمامه إنفجار من البشرّّ. كنت أنظر لأمّي فهي لم تتحمّس للهتاف. سألتني من هو ذاك الرّجل قلت رئيس حزب العمل، إنّه الرّجل الّذي عقدت عليه الجماهير آمالها ورشّحته ليجلس على العرش.قالت أمّي أتراه يفكّر بالأمانة والصّدق والوفاء لتعهّداته. قلت أنظري النّاس أمّي إنّهم يتطلّعون إليه وكلّهم تفاءل. ضحكت وقالت سنري ما يكون منه. لكن أيّ رئيس لا يفكّر بحقّ الأمّهات والأطفال هو رئيس ظالم، أليست الجنّة يا إبنتي تحت أقدام الأمّهات.
قلت لم أفهم ما تقصدين?
قالت الدّولة يا إبنتي كالشّجرة والشجرة أوراقها متعادلة وكما الشّجرة لكلّ الأوراق كذلك الأرض لكلّ البشر. الدّولة خليفة اللّه على الأرض واللّه عدل وميزان، ألم تقرأي ذلك في المقابر فليس للإنسان سوي مترين من التّراب.
ألم تقرأي ذلك على أجنحت الطّير اللّه ميزان وعدالة قلت كم هي صعبة يا أمّي المسؤوليّة. إنّها مسؤوليّة العقل والشّعور.. لا أحد منّا يا إبنتي خلق لنفسه جسد أو روح لكنّ الإنسان مسؤول على نفسه بهذا العقل وبهذا القلب بهما يصعد وبهما ينزل ، يتحرّر بهما أو يسجن بهما..واللّه لا يظلم البشر، الإنسان لديه كأوراق الشجر لا فرق بين هذا وذاك، كلّهم أبناء تسعة شهور، وكلّهم بعقولهم وقلوبهم ونفوسهم.اللّه محبّة وكلمة حقّ وحريّة..
السّياسة يا إبنتي تعني المال سحقا للمال أمام حريّة الإتسان والرّفعة به من قيود الموت وقيود الملكيّة . الإتسان أخذ كلّ شيئ بالمال ألاّ الحريّة فهي لا تعطي إلاّ بالعذاب والموت والتّضحية في سبيل الآخر.
وصلنا إلى المحكمة وهناك وقفت فتاة تشكو مسؤول قد أجبرها على الغناء في عيد النّصر الموافق ليوم موت أمّها
ثار القاضي بصوت راعد لمّا سمع الحكاية وعمّ المحكمة صمت رهيب..
أمسك القاضي بيد الفتاة حيث ركعت أمام النّاس ترحّما على روح الفقيدة الرّاحلة وأرسل يشتري لها باقة من الزّهور لتضعها فوق الجثمان، إغرورقت عين الفتاة بالفرحة والإمتنان، أشرق وجهها فقد كان حملا ثقيلا قد أزاحه هذا القاضي من على قلبها، حيث كانت مهدّدة بالسّجن إن لم تغنّى يوم عيد النّصر. وقف الرّجل الّذي هدّدها أمام القاضي ودوي صوت في الفضاء إختلجت له النّفوس وعمّها الذّعر والخوف .. ثمّ سئل الرّجل ما الّذي فعلته بهذه الفتاة . قال الرّجل نحن صرفنا عليها الكثير لتحفظ الأشعار وتأتي يوم العيد وترفض الغناء .. ضحك القاضي وقال أمّ الحسن الّتي كانت تغنّي فوق الشّجرة ماتت وقد شيّعناها بالزّهور.
غنّي أنت عوضها.. قال الرّجل أنا رجل سياسة لا أفهم في الفنّ .
هذه الفتاة فنّانة تحبّها الجماهير وتطرب لسماع صوتها.
قال القاضي لا بدّ أنّه كان يوجد وقت الذّئب للخروف زميل والشّيطان للإنسان خليل.
أيّها المجاهد إنّك أمام مجاهد مثلك هل تسمع?
لعلّك نسيت نفسك حين كنت تمثّل دور الأب على النّاس قل هل أنت خليفة الرّحمان على الأرض?
دعك من أعياد النّصر وحدّثنا عن الإصلاح الزّراعي وعن الأسلحة الّتي تدّخرها من أحدث طراز لمن يقف أمامك
ألم تجرّبها بعد في الأبناء?
صاحت أمّي وقالت أستغفر اللّه.. اللّه أكبر.. الموت قدرنا جميعا فكيف يقتلوننا بغير أجل لأجل كلمة حقّ.
سأله القاضي هل أنت قادر أن تهرب من ظلّك ? قال الرّجل لا يا سيّدي.. إذا لا تقدر أن تهرب من يوم الحقّ. ذاك اليوم لا ريب فيه. إنّه حاكم التّحقيق يعمل لصالح الحياة والموت، لصالح الحريّة والسّجن، لصالح الإنسان والحيوان، لصالح الظّلم والضّياء. إنّه حاسوب طبيعي لا ينسى ولا يتعب ولا ينام.
بكي الرّجل وتذكّر مظالمه.. قالت أمّي نعم لكلّ إمرأة وكلّ رجل عاش على وجه الأرض وعرف الحبّ والألم
تاريخ خاصّ به وهو تاريخ جدير بأن يعرف. يوم يقول اللّه للنّفس
هيّا أيّتها النّفس قصّي لي كلّ شيئ منذ البداية ها أنا أصغي.. قصّي عليّ صفوة التّاريخ الحقّ تاريخ حياة الإنسان..
إلاهي جسدي أنا أعشقه وروحي كذلك حاشاك اللّه أن يمنحني جسد أخجل منه.
الرّسم الحيواني لا يمثّلني وتلك اللّغات لا تسعدني..
حاشا اللّه يا إبنتي أن يظلم الإنسان في حقّه وحريّته.. فمن يظلم يظلم نفسه ومن جاهد فلنفسه .
الإنسان كلمة وجسد.
الجسد يموت وكلمة الهوي لا تموت.. والإنسان حرّ وله كلمة حرّة
كان صوت أمّي يدوّي حنانا ينفذ إلى أعماق النّفوس ومن رآها لا يجد سوي إمرأة بسيطة منكسرة تنظر من وراء سرداب من الظّلام.حيث الفوانيس متعدّدة الألوان.
قالت أخبروني ماذا فعلتم بالدّين دفنتموه في التّراب وعوض أن يطلع من البيضة إنسان عصفور
طلع لكم من البيضة عفريت إسمه المال..
شرّد الأمّهات والأطفال وأتلف العقول..
عوض المحبّة خلقتم لأنفسكم أفيون.. صلبتم المعلّم وركعتم لساحر مجنون
مات الأب وقام أبو لهب ،عوض أن يعلّم الحبّ علّم الحرب
وعوض السّلام علّم الإنتقام.
أعبدوا المال لعلّه ينفعكم يوما ما. لعلّه يحرّركم .
صاح القاضي إليّ أيّها الجنود إقبضوا عليه هذا العميل
هجم الجنود عليه كالكواسر وهاج النّاس هياج المجانين لا يعرفون ماذا يفعلون
قال القاضي هيّا أنشدوا نشيد الوطن.
صاحت أمّي لا لا تنشدوا شيئا أيّها الجنود.
الوطن الّذي لا يعترف بحقّ الأمّ والطّفل ليس وطن بل قنّ. جمد الجنود في مكانهم لا يدرون ماذا يفعلون.
قالت أمّي أرجوكم نحن في قصر العدالة ولسنا في المدجنة.
قال الجميع أجل بدون شكّ. عقب الجلسة صمت رهيب.. وكان الرّجل يستجمع شتات ريقه وأنفاسه
وينظر لأمّي نظرة تائهة. قالت أمّي تري عن ماذا يبحث، إنّه ربّما يناجي ربّه
الرّحمان الرحيم
ربّ العالمين
ملك يوم الدّين
أمّي تتحلّي بالصّبر والعطاء وحبّ الحياة منغرس في روحها.
أوّل ما علّمتني الصّدق والوفاء في العمل وفي المحبّة تقول إنّهما مبدئ في الحياة لا جدال فيهما.
كانت تعلّمني أنّ الثّوب لا يرفع إلاّ نظيف، ومرتبة الشّرف لا يطولها إلاّ الشّريف ، والماء حين يخرج من تحت الرّواسي يكون خفيف ،والحبّ بعد الألم كالحليب عفيف ، والقلب لا يغمره الفرح إلاّ إذا كان صاحبه لطيف. والضّوء لا يفهم سرّه إلاّ الكفيف.
ليس للعقل سلطة على أمّي. تقول أنا إمرأة متعطّّشة للوجود والحريّة عطش الصّحراء للماء، متعطّشة إلى أن أكون لنفسي لا لأجل الآخر، فها هو فرخ الحمام حين يكسوه الرّيش يتحرّر من أبويه و تصبح له حياة خاصّة به ولا يتدخّل في شؤون حياته أحد.
سألت أمّي .. إذا أنت حوريّة أو حمامة يا أمّي سقطت من السّماء فقصّ لك الرّجل جناحيك ووضعك في قفص ذهبي حتّي أصبحت دجاجة.. ضحكت أمّي وقالت تماما ما تقولين يا أبنتي
لا أحد يعلم شيئا عن الأصل الّذي منه أنحدرت.
كما لا أحد يعلم أنّ الحريّة حقّ للجميع وبها يغمر الوطن الطّهر والعفّة والجمال والفرحة.
ها نحن بالعبوديّة وصلنا إلى حدّ أصبح كلّ واحد منّا غير قادر على تحمّل الأخر وسط الأكاذيب والغشّ والخيانة أكثر ممّا تحمّل.
أمّي هل سنتوصّل يوما إلى تغيير أنفسنا ومن ثمّ تغيير العالم
تنهّدت وكان زفير صوتها كأنّه منبعث من أعماق البحر محمّلا بثقل صبر قديم متناه في القدم
كانت تسألني لماذا للرّجال سلطة الدّنيا والدّين ?وماذا للنّساء? كانت تسأل هل الأرض لهم والحريّة لهم فقط
حين كنت أقرأ لها رواية ، كانت ترافق السّارق لباب الدّار وتسأل الحروف عن سبب الدّاء، كانت تقلّب الكلمة كأنّها ستجد تحتها قطّة أو عقرب أو ذئب أو عفريت.
لماذا النّساء يعشن كالبهائم خاصّة اللّواتي في المنازل وراء القضبان أليس لهنّ وجود، أليس لهنّ حقوق، أليس لهنّ إستشارة.
من يقرأ لهنّ حساب، جلهنّ لا يقدرن على تبليغ أصواتهنّ. هنّ موجودات بالفعل وثمّة أطفال أيضا موجودون كذلك.
يا للحقارة الأمّ والطّفل تحت مسؤوليّة رجل فقير ينفق عليهم بما أملاه عليه عقله الجاهل والاّمسؤول.
من المسؤول عن حقّ الأمّ والطّفل? هل هو الهوى? هل هو الحبّ ?هل هي الدّول? هل هم الأزواج?
تقول لو أحدهم يخبرني عن العذراء من هي.. والإبن الحرّ من هو?
وما معني الشّجرة وما معني العصفور?
وما معني العدالة وما معني المساواة?
لو أحدهم يخبرني عن روحي، وهل لي روح خاصّة أم لا، وما عساها تكون. ولماذا عندي روح وماذا تشبه
هل روحي مكنسة أوساخ ملقاة وراء الباب?
أم هي فلفل أحمر تهرّس بالمهراس? أم هي وعاء من صديد? كيف يفعلون بروحي هكذا?
ثمّ رفعت صوتها على تلك الصّخرة الّتي تدعي أبي
و قالت ..بودّي أن أسألك هل الشّجرة تغرس من القلب أو من الأوراق?
قال أبي من القلب طبعا ..قالت ..وماذا في قلبك شجرة دفلي أم شجرة دقلي?
كم يلزمك من وقت حتّي تفهم الشّجرة?
كم يلزمك من حبّ حتّى تكون عندك شجرة أوراقها متعادلة?
وكم يلزمك من صبر حتّي تصير عندك زيتونة مملوءة بالزّيت ، زيت يكسب متناوله قوّة ونشاط.
وبما أنّك لا تفهم الشّجرة فأنت لا تفهم العذراء ولا تفهم الزّوجة ولا تفهم الأمّ ولا تفهم الأنوثة
تريد نفسك كالعصفور حرّ
أيّ حريّة تنشدها بجناح واحد والأخر مكسور.
هل لك أن تخبرني كيف ستتحرّر من منبتك الأرضي ?
لا بدّ بالظّلم وليس بالعدل ، بالكذب وليس بالصّدق ، بالخيانة وليس بالوفاء
بالإكراه وليس بالعشق ، بالمال وليس بالكمال، بالغريزة وليس بالعقل
بالعبوديّة وليس بالحريّة.
كان أبي يحدّق لأمّي وكانت في أشدّ ثورتها، وبدأنا أنا وإخوتي نشتمّ رائحة الزّيت المحروق بينهما
في الصّباح إستفاقت كعادتها تطهي الحليب وتحضر الخبز وتعدّ مائدة الأفطار
إلاهي ما أقواها تتصرّف وكأنّ شيئا لم يكن.
سألتها ما الّذي وقع بينكما البارحة يا أمّي. ألم يضربك أبي... ألم يهدّدك بالطّلاق
لقد أصبحت عجوز حذاري وهو شباب.. شباب يا أمّي شباب
ضحكت وقالت أنا واعية بما أفعل وإنّي لست ضدّ أبيكم ، نحن نواكب الأزمة جميعا
سألت أبي ما رأيك بأمّي ..
قال حائرا. لكأنّي تزّوّجت بإمرأة أخري بدأت أتعرّف عليها الأن أماّ زوجتي كنت أجهلها.
أمّك تريد أن تقلب الأشياء رأسا على عقب، تريد أن تزرع في كلّ قلب شجرة لتمسي الحياة خضراء
مزهرة الأرض والبشر.
هل أنت سعيد يا أبي?
سعيد وخائف في نفس الوقت
ما الدّاعي للخوف?
أسئلتها غريبة غاية في الغرابة
كيف ستجيبي إن سألتك كيف الإنسان يسلّم جثّته للموت?
سؤال غريب يا أبي ليس لي عليه جواب.
ضحكت أمّي وقالت يا لكم من أغبياء
هل يوجد أجمل من جسد الإنسان على الأرض
هل يوجد أجمل من القول والفعل
هل هان العقل، هل هانت اليدين، هل هانت الكلمة، هل هان العمل والإبداع
ماذا فعلتم بكلّ ذلك?
كيف يرضي هذا الإنسان أن يغيّر له الزّمن شكله ولغته
قلت أمّي هل يتغيّر الإنسان إلى شيئ آخر.
قالت وهل تتغيّر الدّودة فراشة، والقلب شجرة، والبيضة عصفور؟
أيّ إنسان حرّ لا يرضي أن يلقي به في سلّة المهملات أو في مصبّ الفضلات
كالكلاب والقطط والدّواجن.
من هو هذا الإنسان إن كان لا يسعي للرّفعة والتّحرّر من الظّلال والخطايا
أليس للعقل حرمته وللشّعور كذلك?
تقول أمّي هل فعلا يلزمنا هذا العقل وهذه الأحاسيس ، وهذه الأيادي
الدّين وراءنا وليس أمامنا..
هل لنا أن نفرّق بين الحريّة والعبوديّة
كيف هي تصرّفات عقل العبد وكيف هي تصرّفات عقل الحرّ?
هل لنا أن نفرّق كيف يحضر الحيوان طعامه وكيف يفعل الإنسان?
وكيف يتكلّم الحيوان وكيف يتكلّم الإنسان?
سألتها أمّاه هل تحبّين زوجك?
بصراحة لست أدري.
لكن ما معني أن يحبّ المرء?
وهل في الملكيّة والعبوديّة هناك حبّ?
عشت مع زوج ملأ قلبي خوف ورعب، يعاملني معاملة البهائم والإبل والدّجاج وصبرت صبر جدّتي وجدّة جدّتي
وتراكم صبري قرون وقرون حتّي تبخّر مصيري في الاّجدوي. مسكين هذا الزّوج سرت عالة عليه أنا وأبنائي
وليس له قدرة أن يوفّر لنا العيش الكريم. نصيبه أنّه تزوّج بإمرأة كالبهيمة تسهلك فقط وليس لها عمل وليس لها أجر
قلت لكن أمّي أنت تعملين في المنزل وتربّين الأطفال، عمل المنزل غير معترف به لا بدّ من مردود يعود على أصحاب
الأموال بالفائدة.. الطّفل أمام المال لا يمثّل شيئا وأنا بلا عمل لا شيئ.
حجبوا على النّساء نورالحقّ والعلم.. ونور المحبّة والحريّة، كلّ المشاكل الّتّي نعيشها سببها معاداة المجتمع للمرأة..
حجبوها كالغراب في خرقة سوداء فلا ندري ماذا تحت السّواد.. وماذا في الظّلام. لا بدّ عقول نيّرة متطلّعة لمستقبل واعد ومشرق.
تقول بإمكان الإنسان أن يغيّر بيتا أو مدينة أو بلد لكن هل هو قادر أن يغيّر ما بنفسه، من يدري لعلّ النّفوس والقلوب في حاجة إلى أن تدهن بالأبيض مثل المقابر والمنازل.
تتوق أمّي للعلم والحريّة توق الأرض للماء والضّوء، تقول هذه السّماء يا إلاهي ما أحلاها وما أروعها وهذه الطّيور المتحرّرة، سماء بلا حدود ليس فيها أديان وليس فيها معارك بين أجناس الطّير..هذه الحضارة زحفت بنا إلى مأوى العجز والمجانين فكلّما سمعت بإختراع جديد مثل التّلفزة والحاسوب والمذياع والهاتف يركبني الغضب كما لو كانت النّار مكتومة بأعصابي منذ زمن بعيد .
لا أحد من أبنائي قادر أن يفسّر لي شيئا عن تلك الإختراعات..
فأنا بسيطة وساذجة لدرجة أنّي أتصوّر المذياع صندوق يتكلّم أو هو ساحر أو جنّ ملمّ بجميع شؤون الحياة.
نواكب هذا التطّوّر حتّي ولو كان فيه حدفنا..في تلك الآونة جاء أخي ليحملنا بسيّارته الّتي جلبها من خارج الوطن، وكان أهل القرية ينظرون إلي أخي كأنّه بين عشيّة وضحاها أصبح أمير . فمن له سيّارة في قريتنا يتصرّف مثل الملوك والسّلاطين، حتّي أنّ صبايا القرية كلّ واحدة تتمنّي لو يخطبها أخي ويحملها ولو مرّة بسيّارته ويجول بها في أنحاء المدينة.فبنات قريتنا ليست لهنّ دراية بالسّيارات و لا بالإختراعات ولا بالعلم ولا بالثّقافة ولا بالفنّ.
لهنّ دراية بترويض البغال والحمير والبقر والعمل في الأرض بأجور زهيدة للغاية.ذهبنا مع أخي للمحكمة لحضور جلسة فريدة من نوعها ، إنّها فتاة أجبروها على الغناء يوم وفاة والدتها. في الطّريق كان النّاس يحتفلون بعيد النّصر وبرز رجل صفّقت له الجماهير وكان أمامه إنفجار من البشرّّ. كنت أنظر لأمّي فهي لم تتحمّس للهتاف. سألتني من هو ذاك الرّجل قلت رئيس حزب العمل، إنّه الرّجل الّذي عقدت عليه الجماهير آمالها ورشّحته ليجلس على العرش.قالت أمّي أتراه يفكّر بالأمانة والصّدق والوفاء لتعهّداته. قلت أنظري النّاس أمّي إنّهم يتطلّعون إليه وكلّهم تفاءل. ضحكت وقالت سنري ما يكون منه. لكن أيّ رئيس لا يفكّر بحقّ الأمّهات والأطفال هو رئيس ظالم، أليست الجنّة يا إبنتي تحت أقدام الأمّهات.
قلت لم أفهم ما تقصدين?
قالت الدّولة يا إبنتي كالشّجرة والشجرة أوراقها متعادلة وكما الشّجرة لكلّ الأوراق كذلك الأرض لكلّ البشر. الدّولة خليفة اللّه على الأرض واللّه عدل وميزان، ألم تقرأي ذلك في المقابر فليس للإنسان سوي مترين من التّراب.
ألم تقرأي ذلك على أجنحت الطّير اللّه ميزان وعدالة قلت كم هي صعبة يا أمّي المسؤوليّة. إنّها مسؤوليّة العقل والشّعور.. لا أحد منّا يا إبنتي خلق لنفسه جسد أو روح لكنّ الإنسان مسؤول على نفسه بهذا العقل وبهذا القلب بهما يصعد وبهما ينزل ، يتحرّر بهما أو يسجن بهما..واللّه لا يظلم البشر، الإنسان لديه كأوراق الشجر لا فرق بين هذا وذاك، كلّهم أبناء تسعة شهور، وكلّهم بعقولهم وقلوبهم ونفوسهم.اللّه محبّة وكلمة حقّ وحريّة..
السّياسة يا إبنتي تعني المال سحقا للمال أمام حريّة الإتسان والرّفعة به من قيود الموت وقيود الملكيّة . الإتسان أخذ كلّ شيئ بالمال ألاّ الحريّة فهي لا تعطي إلاّ بالعذاب والموت والتّضحية في سبيل الآخر.
وصلنا إلى المحكمة وهناك وقفت فتاة تشكو مسؤول قد أجبرها على الغناء في عيد النّصر الموافق ليوم موت أمّها
ثار القاضي بصوت راعد لمّا سمع الحكاية وعمّ المحكمة صمت رهيب..
أمسك القاضي بيد الفتاة حيث ركعت أمام النّاس ترحّما على روح الفقيدة الرّاحلة وأرسل يشتري لها باقة من الزّهور لتضعها فوق الجثمان، إغرورقت عين الفتاة بالفرحة والإمتنان، أشرق وجهها فقد كان حملا ثقيلا قد أزاحه هذا القاضي من على قلبها، حيث كانت مهدّدة بالسّجن إن لم تغنّى يوم عيد النّصر. وقف الرّجل الّذي هدّدها أمام القاضي ودوي صوت في الفضاء إختلجت له النّفوس وعمّها الذّعر والخوف .. ثمّ سئل الرّجل ما الّذي فعلته بهذه الفتاة . قال الرّجل نحن صرفنا عليها الكثير لتحفظ الأشعار وتأتي يوم العيد وترفض الغناء .. ضحك القاضي وقال أمّ الحسن الّتي كانت تغنّي فوق الشّجرة ماتت وقد شيّعناها بالزّهور.
غنّي أنت عوضها.. قال الرّجل أنا رجل سياسة لا أفهم في الفنّ .
هذه الفتاة فنّانة تحبّها الجماهير وتطرب لسماع صوتها.
قال القاضي لا بدّ أنّه كان يوجد وقت الذّئب للخروف زميل والشّيطان للإنسان خليل.
أيّها المجاهد إنّك أمام مجاهد مثلك هل تسمع?
لعلّك نسيت نفسك حين كنت تمثّل دور الأب على النّاس قل هل أنت خليفة الرّحمان على الأرض?
دعك من أعياد النّصر وحدّثنا عن الإصلاح الزّراعي وعن الأسلحة الّتي تدّخرها من أحدث طراز لمن يقف أمامك
ألم تجرّبها بعد في الأبناء?
صاحت أمّي وقالت أستغفر اللّه.. اللّه أكبر.. الموت قدرنا جميعا فكيف يقتلوننا بغير أجل لأجل كلمة حقّ.
سأله القاضي هل أنت قادر أن تهرب من ظلّك ? قال الرّجل لا يا سيّدي.. إذا لا تقدر أن تهرب من يوم الحقّ. ذاك اليوم لا ريب فيه. إنّه حاكم التّحقيق يعمل لصالح الحياة والموت، لصالح الحريّة والسّجن، لصالح الإنسان والحيوان، لصالح الظّلم والضّياء. إنّه حاسوب طبيعي لا ينسى ولا يتعب ولا ينام.
بكي الرّجل وتذكّر مظالمه.. قالت أمّي نعم لكلّ إمرأة وكلّ رجل عاش على وجه الأرض وعرف الحبّ والألم
تاريخ خاصّ به وهو تاريخ جدير بأن يعرف. يوم يقول اللّه للنّفس
هيّا أيّتها النّفس قصّي لي كلّ شيئ منذ البداية ها أنا أصغي.. قصّي عليّ صفوة التّاريخ الحقّ تاريخ حياة الإنسان..
إلاهي جسدي أنا أعشقه وروحي كذلك حاشاك اللّه أن يمنحني جسد أخجل منه.
الرّسم الحيواني لا يمثّلني وتلك اللّغات لا تسعدني..
حاشا اللّه يا إبنتي أن يظلم الإنسان في حقّه وحريّته.. فمن يظلم يظلم نفسه ومن جاهد فلنفسه .
الإنسان كلمة وجسد.
الجسد يموت وكلمة الهوي لا تموت.. والإنسان حرّ وله كلمة حرّة
كان صوت أمّي يدوّي حنانا ينفذ إلى أعماق النّفوس ومن رآها لا يجد سوي إمرأة بسيطة منكسرة تنظر من وراء سرداب من الظّلام.حيث الفوانيس متعدّدة الألوان.
قالت أخبروني ماذا فعلتم بالدّين دفنتموه في التّراب وعوض أن يطلع من البيضة إنسان عصفور
طلع لكم من البيضة عفريت إسمه المال..
شرّد الأمّهات والأطفال وأتلف العقول..
عوض المحبّة خلقتم لأنفسكم أفيون.. صلبتم المعلّم وركعتم لساحر مجنون
مات الأب وقام أبو لهب ،عوض أن يعلّم الحبّ علّم الحرب
وعوض السّلام علّم الإنتقام.
أعبدوا المال لعلّه ينفعكم يوما ما. لعلّه يحرّركم .
صاح القاضي إليّ أيّها الجنود إقبضوا عليه هذا العميل
هجم الجنود عليه كالكواسر وهاج النّاس هياج المجانين لا يعرفون ماذا يفعلون
قال القاضي هيّا أنشدوا نشيد الوطن.
صاحت أمّي لا لا تنشدوا شيئا أيّها الجنود.
الوطن الّذي لا يعترف بحقّ الأمّ والطّفل ليس وطن بل قنّ. جمد الجنود في مكانهم لا يدرون ماذا يفعلون.
قالت أمّي أرجوكم نحن في قصر العدالة ولسنا في المدجنة.
قال الجميع أجل بدون شكّ. عقب الجلسة صمت رهيب.. وكان الرّجل يستجمع شتات ريقه وأنفاسه
وينظر لأمّي نظرة تائهة. قالت أمّي تري عن ماذا يبحث، إنّه ربّما يناجي ربّه
الرّحمان الرحيم
ربّ العالمين
ملك يوم الدّين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire