dimanche 16 novembre 2008

ذكريات

ولدت في قرية صغيرة والجوّ الّذي عشت فيه جوّ أناني متخلّف، عشت طفولة مستهترة مليئة بالعبث. الكلّ يقمع، الكلّ يتدخّل، الكلّ يظرب.
كلمة حرام أسمعها في اليوم ألف مرّة والغول سلاح يتحدّاني والموت يشعرني بالقرف من هذه الحياة، كنت أصلّي ولا أعرف لماذا أصلّي، أقوم في الصّباح ولا أعرف لماذا؟ أنام ولا أعرف لماذا؟ آكل وأشرب ولا أعرف لماذا؟ علّموني ألا أبوح بشعوري بصراحة لا بدّ من الكتمان ، علّموني ألاّ أقول بصدق فالمراوغة واجبة أحيانا، علّموني أنّ الحبّ حرام والقبلة البريئة حرام فنشئت أعتقد أنّ الحبّ يعني الجنس والجنس الآخرغول بأنياب كبيرة.
حرموني من اللّعب مع أبناء الجيران،علّموني الضّعف والإستكانة، والشّرف هو قطرة دمّ يجب أن تحافظ عليها الفتاة حتّى الزّواج أو الموت. نشأت أكره الرّجال وأخافهم، وأعتبر الرّجل غدّار ولا يجب أن أأتمنه.علّموني أن لا أسأل ما هو اللّه فكلّ ما أعرف أنّه يحرق بالنّار.. وعليّ أن أركع له وكانت الصّلاة تشعرني بالإرهاق والدّوخة والتّعب وأتظاهر أنّي أصلّي لكنّني كنت أكذب. أبي لا أعرفه يبتسم، كان غليظا لا يمزح أفرح حين يغادر أبي المنزل لكي ألعب بحريّة. ذات صباح سمعت آذان الفجر يقول "الصّلاة خير من النّوم" ظننته يقول "الحياة خير من الموت".. قلت في نفسي أحبّ الحياة وأكره الموت، أحبّ الضّياء وأكره الظّلام، أحبّ اللّعب وأكره النّوم، كانت أمّي تحثّني على اللّعب في حديقتنا الخضراء الواسعة وعلى التّأرجح في الأشجار والقفز كالعصافير من فوق الشّجر، تقول لكي أستنسق روضة الحريّة وأتمتّع بها ما دمت صغيرة ، فأمّي في ذلك الوقت كانت تعاني مرارة السّجن في البيت ومرارة الظّلم الّذي كان أبي يسلّطه عليها. تسرّبت في نفسي نزعة العلم وقرّرت أن أتعلّم، يجب أن أشعر بالبقاء فالحياة شيئ جميل ورائع، عليّ أن أتحدّي هذا الواقع المرّ، عليّ أن أسافر أن أطّلع أن أتنوّر، عليّ أن أنسي وجودي في هذه القرية الّتي تصنع الغباء والأوهام والهواجس والموت .أريد أن أنسي التّفاهة وأري الحقيقة. كنت أرسم الكلمات وأتأمّل كلمة الحياة والموت بالتّحديد هذه التّاء المفتوحة كأنّها قبر أعدّ لشخصين هما نقطتين مع بعضهما وكنت أتساءل لماذا المرء يدفن وحيدا وهما إثنين لا بدّ أنّهما حبيبين قد فرّقتهما الحياة فأصبحا غريبين، عدوّين، كنت أشكو من عداوة كامنة في نفسي غرسها فيّ أبي جرّاء ممارساته مع أمّي فهي تريد نفسها حرّة مثله لكنّه يأبي ذلك ويريد أن يتفرّد بالحريّة لنفسه. كنت أذهب أحيانا مع أمّي للمقبرة لتلاوة صورة من القرآن الكريم علي روح أمّها الرّاحلة والّـتي تركت في نفسها جراح الوحدة الّـتي لم يستطع أبي أن يعوّضها لها فكانت تحدّثها في القبر كما لو كانت حيّة بهمومها عندها إعتقاد أنّها حيّة ولم تمت.

كانت أمّي تقول لي صبحان اللّه، اللّه عادل بين البشر فالمقابر تشبه أوراق الشّجر كلّها متساوية لا فرق بين هذا وذاك ففلان كان غنيّ جدّا لكنّه في النّهاية لم يأخذ سوي مترين من التّراب مثله مثل الرّجل الّذي كان يعمل عنده وكان المسكين يعيش على فضلات طعامه. كنت أحلم وقتها أن أدرس وأدافع عن المحرومين والمظلومين . أكملت دراستي في معاهد القرية ثمّ توجّهت إلى العاصمة بتشجيع من أمّى الّتي كانت تريد أن تري نفسها فيّ، وتعوّض حرمانها من العلم والحريّة. كنت مليئة بالطّموح على أن أدرس وأجتهد وأبذل كلّ جهدي كي أنجح لكن بحكم أنّني كنت قد درست شعبة مهنيّة فلم يسعفني ذلك في النّجاح في البكالوريا، أبي لم يكن له المال كي يصرف عليّ عام آخر في مدرسة حرّة، أظلمت الدّنيا في وجهي وشعرت بالإخفاق العلم بالمال والمال شلّ طموحي فوا أسفاه على الطّموح. كان العلم شمعة تضيئ قلبي وتجدّدني كلّ يوم، كان يشعّ على نفسي نورا أهتدي به في الظّلام، كلّ درس كان يثير فيّ إحساس باليقضة ويزيل عن أفكاري الوساوس، كنت أحلم بالنّور لكنّ عقلي الكبير وقتها لا يساوي شيئا أمام المال. كرهت الدّراسة والعلم والمسؤولين على هذا الفشل الّذي حطّم فيّ الطّموح والأمل وقلت في نفسي اللّه يمنح الضّوء والماء بدون مقابل والعلم ضياء وإرتواء، شكرا للّه على الموت وشكرا للإنسان الّذي يبيع لنا الضّوء والماء بالمال والحبّ والعلم بالمال. السّماء لا تمطر بالمال ربّما هي تمطر بالموت حزنا على الإنسان الّذى ثمّن الحبّ والعلم وبقي يحلم بالحريّة
دخلت سوق الشّغل، سوق الغمام الكثيف والصّراع المرير. كنت أذهب كلّ يوم إلى مكتب الشّغل لأطلب عمل وكأني أستجدي للّه يا محسنين.
صباح الخير
صباح الخير ، تفضّلي ماذا تريدين.
أريد عمل من فضلك..
يرمقني من رأسي حتّي قدمايا..
أتنهّد من أعماقي وأرتعد خوفا ويضيق ضرعي.
تفضّلي، ايّام قليلة وتتعلّمين الشّغل العمل في غاية السّهولة.
شكرا سيّدي..
أراك خائفة ووجهك أصفر..
لا لا شيئ.
ما إسمك ... زينب سيّدي
هل إشتغلت من قبل يا زينب
لا سيّدي. لكنّي أعدك انّي سأكون عند حسن ظنّك.
كم تطلبين راتب شهري؟
لا أعرف سيّدي سيكون حسب العمل أعني حتّي أتعلّم.
سوف تتعلّمين بإذن اللّه. بإذن اللّه سيّدي.. شكرا.
العمل سهل ولكنّي سأعطيك مبلغ مغري لأنّك فتاة على ما يبدوا ممتازة
ممتازة في ماذا سيّدي في الشّغل فأنا لا أعرف شيئا حتّي الآن.
يضحك .. ما زالت النيّة في الدّنيا.

ألا يلزمك ملابس ومكياج لزوم العمل.

الحياة مظهر يا آنسة.
بقيت مشدودة باهتة ما لزوم المكياج في العمل
إنّي أحبّ نفسي بسيطة هكذا.
ما سأري من وراء هذا الرّجل ما سأري؟
رددت في وثوق أنا لا أضع مساحيق أبي لا يريد.
همس في نفسه .. ما بك ثمّ دار نحوي وأخذ يبسط مشاكله. هو في دوّامة
والمال لا يعرف ماذا يفعل به المال لا يجلب له السّعادة، يعاني واقعا غامض
قال فيك خصال لا أعرفها، أنت تكرهين النّفاق، كان يبوح بسرّه الدّفين لكنّ إنفعاله العاطفي كان يشكّل عندي أكبر مأساة يمكن أن يعانيها هذا الكلب الوديع، إستبدّت بي موجة التّسائل لمعرفة الآهات الكامنة والتّقلّبات الخفيّة في مشاعر الكلب الغامضة، إنّه يبدوا كلب نظيف كريم الطّبع، كلب له إحساس.
قلت له أنا فتاة أقدّر خصالي وأعشق بساطتي
هل جننت؟
يا لك من مغفّلة، أنت لا تدرين قيمة المظهر.
تصوّري إنسان تطير منه رائحة العفونة هل له قيمة عندك.
قلت نعم سيّدي العفونة في الكلام الّذي يجرح القلب وليست في الجسد.
إنّك لا تزالين مغفّلة..
أنا فتاة حرّة ألبس ما أريد ويسعدني أن أعمل بملابس الفريب أمّا ملابسي الجميلة فهي للأفراح.
كلاّ يا ماما ..إذن إذهبي قشّري الثّوم والبصل مع أمّك فأنت لا تحترمين العمل، رمقته بنظرة مليئة بالحقد والغضب
فهم من خلالها أنّه إنسان حقير وسيظلّ كذلك.
شعرت بالإخفاق تشتّتت أفكاري، وتثاقلت خطواتي. سرت أنظر للوجوه بشيئ من الإمتعاض والقرف أموات عند ربّهم يرزقون ،وهذه السّماء تمطر بالعلف والماء.وتكتفي بالصّمت، رجعت إلى مكتب الشّغل مرارا عديدة وفي كلّ مرّة أطرد من العمل، دائما نفس الأسلوب ونفس المعاملات، كنت أتسائل لماذا هذه المشاعر، أليس عندي حقّ أن أصنع ذاتي في كنف الرّحمة والرّفق والودّ، أليس عندي وجود حرّ،لا أفهم لماذا أنا أرتعد من الخوف لا بدّ أنّه من ظلم البشر، كتمت غيضي وقلت يجب أن تكون الشّمس شحنة نور في قلبي وشحنة دفئ وطاقة تزيل عنّي الشّكوك وتبدّد الظّلام في نفسي، وعدت إلى سيري في الشّارع المزدان بالأضواء.
ما أجمل النّور حين ينير الطّريق، أمّا اللّيل فهو لا يهدي التّائهين، النّهار يجري بنا إلى ليل حالك الظّلمة، ما أتفه الجمال حين يصطبغ بالتّصنّع والرّياء والنّفاق, الفقر المتقع يعشعش فيّ ، أبي لا يقدر أن يشتري لي بدلة جديدة، وأنا لا أقدر أن أساعده فقد آخذت منه ولا أقدر أن أعطيه شيئا،رياح الشّتاء العنيفة تظرب في عظامي من العراء والجوع يعبث بي ويضخّم تفكيري حين تغوص ذاكرتي في الإحساس بالواقع، فأذكر تتبابع الفشل في نفسي. تفوح رائحة الأطعمة في الشّوارع، أحسّ بأحشائي تتمزّق، أتساءل ؟
لمن أعدّت هذه الأطعمة الشّهيّة ثمّ أتأوّه في لوعة. ما ألذّ رائحة المشوي ، إتّي أتذوّق طعمها، أحدّق في الكبدة والمرقاز وأسأل بكم الطّبق من فضلك؟ مساء الخير ماذا تطلبين؟ لاشيئ لا شيئ، أختلس النّظرة تلو الأخري وأنا في إشتهاء عميق وأرتعد من البرد وأضيق ضرعا. ما أحلاها روائح المشوي ليت عندي المال وأقدر أن أشتري الطّعام. شعرت بالتّقزّز
ماذا أفعل؟ سأعود للبحث عن عمل.
أنا أفتّش عن عمل محترم ولا عن راتب محترم. هل أرجع ألى مكتب الشّغل؟
لا لن أعود هناك ، سأطرق الأبواب.
يجب إلاّ أفشل في البحث عن هذا العمل المنشود لعلّ في الدّنيا ما زال الخير، الشّمس لا تزال تشرق بالضّياء
أريد وضيفة متوسّطة وكفي، جرت في عروقي دفقات مملوءة بالحرارة والنّشاط والدّفئ وقلت الحمد لله على أنّي أري وأفكّر وأشعروأمشي على قدمايا.
الحمد لله على أنّي إنسان يناظل من أجل لقمة عيش شريفة ..فما أتفه الشّرف حين لا نفهم ما معناه، وقفت أمام باب إدارة ، خرجت من هناك إمرأة، ماذا تريدين، أريد عمل من فضلك. طيّب نحن أيضا نفتّش على عمّال، ما هو مستواك الثّقافي سنة سابعة آداب سيّدتي، صمتت قليلا وتوجّهت إلي مكتبها، نادتني .. تفضّلي . أحسنت سيّدتي.
جلست قبالتي وأخذت تتصفّح مجلّة للموضة وقالت نحن بحاجة إلى بنات يعرّفون بمنتوجاتنا عند الحرفاء ، قلت هل هناك شرط في اللّباس؟ قالت لا ، قلت هل هناك شرط المكياج؟ قالت لا.. فرحت، أنت حرّة يا آنسة ترتدين ماذا تريدين ولكنّ الشّرط في اللّسان أتتمتّعين بمنطق تجاري..
لم أجد ما أقول ، إحترت في إستغراب، قالت واجهي الحياة بشجاعة، أنا أيضا أنتعش مثلك لكن كلّ واحد له طريقته في العمل. أحسست بالإختناق يشلّ إرادتي، ماذا يعني منطق تجاري.. أهو منطق الحبّ وهل سأقدر البوح بشجاعة بكلمة الحب، الحبّ يدغدغ كياني ولا أقدر أن أقوله فماذا سأقول إذا كلام في الكذب، فكيف سأقدر على الكذب؟ شعرت بمنافذ الطّريق تسدّ من جديد في وجهي. ماذا سأعمل كلّ الأعمال ترفضني، أنا إذا لا أصلح لأيّ شيئ ثمّ رفعت ٍرأسي إلى السّماء في سؤال غريب لماذا أتيت، هل أنا هي المخطئة لا مستحيل إيماني بنفسي قويّ جدّا هم المخطئون، أنا أريد أن أعمل بشرف وما العيب في ذلك؟ أريد أن ألبس ما أريد.. وما العيب في ذلك؟ أريد أن أعيش كما أريد وما العيب في ذلك؟ لو لم أعمل بإخلاص لهم الحقّ وقتها أن يطردوني من العمل، حيوانات بلا ضمائر أقلّ ما يقال عن هؤلاء الأعراف اللّذين طردوني بغير حقّ. ليس لهم إلاّ الموت هو يعرف كيف يعاقبهم أمّا أنا فلا أقدر عليهم. نظرت في المرآة عينايا تحملان إرهاقا دامعا لقد كنت أصرخ من جذور قلبي وأعماقي.. ,قلت هل المرأة ألعوبة بيد هؤلاء.. هل هي قطعة حلوي ملقاة في هذا السّواد وهذا الظّلم، أليس لها كيان يحترم، أنا هكذا لماذا لا يقبلونني كما أنا، لم تكن تستجيب لي إلاّ الدّموع فهي تبرّد حرقة قلبي، ليس لي إلاّ الدّموع تريحني. خسرت كلّ شيئ، خسرت نفسي ماذا تبقّي سوي الدّموع. شيئ مؤسف للغاية، بدأت أحتقر الحياة، وأحتقر نفسي، وذلك لشعوري بعدم الإستقرار.قلت ماذا لو أتزوّج وأرتاح فالأمومة عمل مقدّس،لم أكن أعرف ما معني الزّواج، كلّ ما في الأمر إننّي أصبحت أفكّر فيه في محاولة للهروب من الواقع المرّ ... الرّجل الّذي إخترته كنت أعتقد أنّه قادر على تبديد الظّلام الّذي دخلني كثورة جامحة تدمي قلبي جرّاء الرّجال.. كانت معالم الفشل مطبوعة على ملامحي أيّام الزّواج الأعمي وإنجاب البنين في العماء، أنجبت الأبناء خوفا من الزّمن الغدّار والبقاء في التّشرّد. كان زوجي يحتاج إلى وفرة المال لشراء الكتب والتّنقّل وإرتياء المكتبات ما أحوجه إلى آلاف كلّ يوم، تفكيره كان دائما مشغول بالعمل والنّضال في الإتّحاد، كانت لا تشغله سوي البلاد الغارقة في الظّلام أمّا ظلامي أنا لا يعنيه فقد خلقت لأكون هكذا خادمة في المنزل ولكنّي كنت على ذلك مكرهة فبالنّسبة لي خدمة الزّوج والأطفال أجمل من بيع الجسد الغالي في السّوق بالمال اللّعين للكلاب والشّياطين. بدأت أشعر بالقلق والوحدة، الآلات تحتاج إلى التجدّد والرّاحة فما بالك بالإتسان، عقلى سيملأه الصّدء وقلبي غاص في الهموم، كنت أشاركه مجونه ومرحه وإستهتاره، أشاركه شقاءه وهناءه ، وأقول في نفسي أنّي أجرمت في حقّ هذا الرّجل فقد كبّلت حياته بالأبناء، والإبناء مسؤوليّة كبيرة وعويصة. لقد فعلت شيئا لا يشرّف.. نعم إنجاب الإنسان بغير عقل وشعور لا يشرّف. كنت أشعر أنّ الرّجال يقبلون زواج المتعة مع النّساء بغير عقل وبغير شعور. أحبس دموعي خلف الجفون وأضحك، وأنا أضحك في غير ما إكتراث ولا مبالات لكلّ هؤلاء الّذين لا يعرفون الحبّ ما هو؟ والحريّة ما هي؟ والإنسان ما هو؟
لا يعرفون ضوئين في السّماء إسمهما العقل والشّعور.
والعقل والشّعورما هما إلاّ كلمة وصوت والإنسان بالكلمة والصّوت مسيحا منتظر في السّماء حرّ .
فالموت رعد والرّعد صوت والصّوت عودة على بدء إنّه العقل الّذي لا يكذب.
ذاك ثمن السّماء ضمير حيّ كالقمر.
أمّا الحياة فهي برق والبرق حبّ وضياء في العيون العاشقة.
وفي الكلمة اللّطيفة الّتي تزرع الودّ والرّحمة والوفاق والطّموح والأمل والمعبّرة على حقيقة الشّعور.
فثمن الحياة الحرّة شعور صادق وحيّ كالشّمس. هؤلاء الضّوئين هما عشيقين كالعيون واليدين فرّق بينهما الكذب
والخيانة والنّفاق والأنانيّة فنزلا على أرض الشّقاء يبكيان من ظلام الموت كلّ واحد منهما في قبره وحيدا مع الذّكريات.
هما الإثثنين أمام مرآة الظلّ كلمة وصوت يبحثان عن بطولة تبقيهما إنسان وما أدراك ما الإنسان إنّه سيّد الحيوان إنّه كلمة عظيمة، كلمة معبّرة، كلمة كلّها فنّ وإبداع ومشاعر وعلوم، كلمة لها قدرة القتل كالسّيف وقدرة الحياة كالماء والضوء.
بعيدة كلّ البعد عن كلمة الحيوان هذه الكلمة الّتي تفعل كما تفعل الشّمس حين تفرز بخار الماء وتحوّله ماء صالح لرّي
الشّجرة الّتي لا نفهم ما معناها،
وريّ الأرض التّى يريد هذا الإنسان أحتكارها لنفسه والدّفاع عنها بالدّم عوض الدّفاع عن المرأة والطّفل.
هذه الأمّ أصبحت تغزو أحلامنا بشتّي أشكال الحيوانات المخيفة والمرعبة لأنّ إبنها الإنسان فضّل عليها التّرب والحجر ولم يعترف لها بأيّ جميل ذلك لأنّها أحبّته إنسان عقلا وشعورا وإعترافا بالجميل.
فدموع التّماسيح لا تنفع والصّلواة الكاذبة لا تجدي معها هذه الكلمة الّتي تفرز الإنسان من الحيوان كما يفرز الثّدي الحليب، هذا الحليب الّذي فقد الحنان وأصبحنا نعطيه للأطفال مغشوش ومعلّب لأنّ هذه الأمّ أصبحت غير قادرة على ضخّ الحليب لطفلها فزوجها لا يسقيها بالمحبّة والإحترام والرّأفة والشّفقة فالزّوجة منكوبة في القبر المنزلي .
أمّا الحنان والحليب والحبّ والحريّة من جملة المبيعات في الأزقّة المظلمة والشوارع فلماذا يتزوّج ما دام البقر الحلوب موجود في الشّارع بأبخس الأثمان وكذلك الدّجاج والإبل والمعز العاري بوجوه مستعارة ليست على حقيقتها. ولا تعرف كيف تنظر في مرآة الأحلام الخاصّة جدّا جدّا.
زد على ذلك الجمال والعطر والقدّ المليح واللّسان الفصيح.
لهذا الإنسان كذلك يدان يمتاز بهما على الحيوان يدان يصنع بهما المعجزات وله جسد من أجمل الأجساد وله عقل وشعور من أجمل الصّفاة. لكنّه أعمي لا يزال يصنع بهما الحرب عوض الحبّ، عيونه حفر بلا معني.
يصنع الكذب والخيانة والموت والإستعمار مع أخيه الإنسان. المرأة والرّجل واحد، كما الشّعور والعقل واحد.. كما الرّمشين والعينين واحد .. واليدين والساقين واحد ..والرّوح واحد. هما روح واحد في جسدين. الشّمس والقمر عشيقين يبكيان بصدق المطر والنّور والوجدان. فما أبعد دموعنا المالحة على تلك الدّموع. وما أبعد حبّهما على حبّنا وصدقهما على صدقنا بدونهما نحن في الظّلام والعطش والموت كالحيوانات السّائبة بلا عقل وشعور. حيوانات للّحوم والأكل، فالإتسان يأكله التّراب لأنّ التّراب صادق كما الشّعور فإن زرعنا الشّوك نحصد شوك وإن زرعنا الورد نحصد ورد كذلك الكلمة ما نزرع بها نحصد. المرأة من رجل والرّجل من مرأة، النّهار من ليل واللّيل من نهار، الماء من ضوء والضّوء من ماء، الصّوت من كلمة والكلمة من صوت، القمر من شمس والشّمس من قمر والحبّ واحد أحد، أعني إثنان في واحد.
فالصّوت صوتنا والكلمة كلمتنا والظّلم ظلمنا والضّياء ضيائنا.
والعقل عقلنا والشّعور شعورنا.
ونحن تحت القضاء والقدر والشّمس والقمر والكلمة والظّل. نحن في معركة التّراب من أجل تحقيق ذات الإنسان.
وفي معركة الموت من أجل العشق والحريّة ومن مات فداءا للمحبوب مات شهيدا. الحبّ زوج حمام والسّماء ضوئين لا تقبل إلاّ العشّاق
والحبّ الصّادق والوفيّ.
والكلمة هي نبض القلب ومجري الدّماء فلا أحد قادر أن يكذب أمام ظلّه ونفسه وروحه وصوته.
فمن عشق نفسه فقد عشق الموت والعبوديّة لأنّ النّفس العدوّ اللّدود للأنانيين والحبيب الودود للعاشقين فمن عشق الآخر كنفسه فقد عشق الحياة والحريّة فالحبّ موت لأجل الإخر
فإن مات الجسد فالكلمة لا تموت والصّوت لا يفني.
وما الدّتيا إلاّ يوم إمتحان منها يكرم المرء أو يهان


Aucun commentaire: