vendredi 27 février 2009

هل نحن نفهم الحبّ

أشعر أنّ لنا صعوبة كبري في فهم الحبّ، فجميع من نظّروا إليه وعرّفوا به وكتبوا عنه ليس لهم نصّ واحد يوحّد ويدعّم مفهوم الحبّ.
فتاريخ الحبّ إنقلابات وكلّ إنقلاب خلفه رؤية وهذه الرّؤية هي الـّتي تحدّد قواعد الحبّ، الحبّ هو قانون شامل ليس له عقد ولا يهمّه أن يلبس الواحد منّا جلد إنسان أو أيّ جلد آخر، هو ذاك المطر الّذي يروي الأرض ويغسل الأفكار والأجساد وتلك الشّمس الـّتي تشرق على الفقير والغنيّ والأبيض والأسود والمرأة والرّجل على حدّ سواء..وهو تلك الكلمة الّتي تخلق وتبدع وتتجدّد وتتوالد وتتفجّر وتتشكّل في النّفوس وتزرع الفرح والحزن والمتعة والألم في الأرواح
هذا الحبّ يقف أمامه أي إنسان فإمّا يعطيه علامة رضا أو يعطيه علامة خوف، هو يسمح لنا باللّعب لكن لا يسمح لنا بالغشّ والخداع، والكذب والخيانة.
الحبّ شعور يخاطب مزاج النّاس وأحاسيسهم، فلا يكون الحبّ ناجحا إلاّ إذا كان واقعيّا نبتهج به إبتهاجا عظيما لذلك نحن لا نقيس العظيم إلاّ بقدرته على خلق السّعادة والنّشوة في قلوبنا ومشاعرنا وحياتنا..
هل من المعقول أن نحبّ ثرثار ونكره مطرب أو أستاذ، هل من المعقول أن نحبّ صرصار ونكره شحرور أو كروان، ما يكون مستقبل الحبّ الّذي أصبح يقوم على المشاكل الإجتماعيّة والكلام الفارغ والثّرثرة والهذيان؟
لا أحد في أرض الخوف أصبح يقدر أن يختار لنفسه مكانا مريحا، فهذا الحبّ يحتاج إلى الثّقة والحريّة والصّدق لكي يواصل الإضاءة، حبّ بصحّة جيّدة يعني حريّة بصحّة جيّدة، يعني إنسان بصحّة جيّدة الحبّ في المنفي وفي الملكيّة هو لوحة عصبيّة ولقاءات عصبيّة، فالحبيب هو الحريّة وليس المعتقل..سقط الحبّ في عالم الملكيّة والملكيّة ليست من مصلحة أيّ طرف.
لذلك هو مصاب بالإحباط النّفسي والإجتماعي، فقد دخل الحبّ عصر الإنحطاط .. هذا العصر الّذي أصبح فيه الإنسان يشعر أنّ رحلة الحياة عبثيّة والقطار بلا سائق، لكنّ السّائق ساكتا لا يتكلّم فالأرض مسجّلة بإسمه وهو خالد على الدّوام ونحن حياتنا كلّها معه مجرّد فيلم قصير، فإن سقط هذا السّائق أو مات سقط معه كلّ المسافرين وماتوا، لذلك ممنوع على أيّ كان أن يهرب منه، هذا الحبّ يخترع النّجوم ويزرع الورد، ويفجّر الماء من الصّخر ويعلّم لغة العصافير، كلّ مسافر له حقيبة سيحملها معه حين يسافر ولا بدّ من المرور على الدّيوانة لمعرفة ما في الحقيبة من أسرار خفيّة.
يقول البعض أنّ الحبّ زندقة وإباحيّة وقلّة أدب وفساد وكلام مفخّخ، فأنواع الحبّ كثيرة ولا نقدر أن نصنّفه، فالعقل هنا هو الّذي يختار ويصنّف الشّكل الّذي يناسب منطق حبّه، فالإنسان الذّكي عليه أن يكون مع الجمال ضدّ القبح، مع الإنسان ضدّ الحيوانيّة والوحشيّة، مع الشّمس ضدّ العتمة، مع الحياة ضدّ الموت، مع الحريّة ضدّ العبوديّة، مع الوفاء ضدّ الخيانة، مع الصّدق ضدّ الكذب، مع الأبيض ضدّ الأسود.. الإنسان في المسرح الكبير يمثّل دوره وعلى الحبّ الإخراج والإضاءة وتصميم الأشكال.
على المخرج أن يفهم قدرات الممثّل لكي يعطيه الدّور المناسب فيما بعد .
لا بدّ من تحرير الحبّ من المشاكل الماديّة والإجتماعيّة
لا بدّ أن يلتزم الحبّ بمبدئ التّغيير والولادة الطّبيعيّة..
لا بدّ أن يتحرّر الحبّ من الموت ويرتقي إلى ما هو أجمل.
الحبّ والحريّة لغز حاولنا فكّ رموزهما فلم نقدر هما فردوسنا المفقود.. الإنسان في الأرض في حاجة لهذا الحبّ وهذه الحريّة لكنّه حرم نفسه منهما ودخل في منطق الملكيّة والظّلاميّة.. فالملكيّة ضدّ الحبّ والحريّة لذلك الحبّ والحريّة يلعبان ضدّ الإنسان.. إنسان بلا حبّ وحريّة ميّت.
القلب هو الجرس والوتر الحسّاس ولا يقبل هذا القلب أيّ هذيان ، فالمحبّ هو الّذي يقدر أن يغيّر الحياة ويضيف لها شيئا من البهجة والسّرور كلّ يوم ..فكلمة الحبّ حين تزرع بصدق في القلب تخلق جداول من الماء ومروج خضراء وأشكال خرافيّة من الورد والعصافير..
أمّا اللكلمة الّتي تزرع بغير صدق وبغير محبّة تحيل قلوبنا إلى الأماكن الضيّقة ونصبح نعيش العتمة والضّغط ونبقي فريسة القلق والوساوس والأمراض النّفسيّة..
لكن مع الأسف نحن لا نقدر أن نستمع لكلمة محبّة من طرف إنسان نشعر أنّه يمتلكنا ونحن متاعا خاصّ له للإستغلال
سوي إن كان على المستوي العملي أو على المستوي الجنسي.
القلب له مسرح في الهواء الطّلق ليس له قيود لكنّه يشكو من تراكم البشاعة في داخله والملوحة والقرف والجنون..
جرّاء العقد الـّتي سبّبتها له المشاكل الإجتماعيّة والماديّة.
الحبّ صورة شعاعيّة نعرف من خلالها أنّنا لا زلنا على قيد الحياة ونعرف من خلاله أن قلوبنا لا زالت تضرب حبّا للحياة بصورة منتظمة، كلّ القلوب في علاقة مع هذا الشّعاع وهذا القلب النّابض هو الحبّ الكوني الخالد، فلو حاول الإنسان أن يقتل آلاف أو ملايين النّاس فهو غير قادر أن يفعل ذلك مع الحبّ، الحبّ في كلّ مكان وعنوانه لا يخضع لحدود الزّمان والمكان فالإنسان بغير هذا الحبّ وهذا القلب لا شيئ.. والعقل بغير حريّة عدم.....
بدون حبّ وحريّة لا يقول الإنسان عن نفسه أنّه إنسان حرّ فالإنسان عبد ينشد الحريّة والإنعتاق من الأغلال
هل نحن الّذين قتلنا الحبّ أم هو الّذي يقتلنا ويخطّط حياتنا كما يشاء؟
هل الغباء في الحبّ أم هو الغباء فينا؟
هل النّقص في الحبّ أم هو النّقص فينا ؟
هل العقد من الحبّ أم هي العقد منّا وعلينا ؟
من أعطي للمسلّحين وكالة كي يحكموننا ويسحقوننا؟ لماذا إنفجر الفقر والمجاعات والعصابات؟ ولماذا ساءت الأحوال؟هل هو الحبّ الّذي حرمنا من حقّنا في الحياة والعيش الكريم؟ هل هو الحبّ هو الّذي جعلنا آلاف السّنين في السّرداب نائمين؟ هل هو الّذي جعل أيّامنا تدور في النّعاس، وقلوبنا ميّتة الإحساس وعقولنا تشكوا من الإفلاس كيف لنا أن نخرج من السّرداب وخارج السّرداب يمكث رجل مسلّح عشق نفسه وهو الخالد والحكيم والعليم..
لا أحد يجرؤ أن يسأل هل وجد خالق قبل وجود السّلاح والمسلّحين؟ هل وجد خالق لهذا الرّجل الّذي أدهشنا حبّا ورحمة وصالح الأقلام والآراء وخلق العزّة والنّخوة والإرادة والشّجاعة في النّفوس وأخرجنا من غرف الموتي إلى موطن العصافير، نحن لا نعرف من كسّر عقل الإنسان ورأي الإنسان.. نحن لا نعرف من يملكنا ولحساب من نحن نعمل؟
هذا الحبّ حكيم فقد جعل الموت لكلّ نفس وخلق لكلّ نفس مرايا النّهار؟ لا لغة تجمعنا بهذا المسلّح إلاّ النّار فكلّ الحقوق الّتي نطالب بها تنهار متنا من القهر والمدح والنّواح، فالحبّ مع الخوف يخلق العار والدّمار..
هل نحن ننتمي لربّ حكيم أم ننتمي لربّ يسجننا في السّرداب ويستبيح لحومنا للكلاب حتّي إذا تحدّثوا عنّا قالوا إنّنا ذئاب جائعين، من هؤلاء الّذين يضيئون الشّموع لكلّ طاغية، هؤلاء الّذين على الكذب تراهم يشهدون ويركعون ويسجدون
يطعمون النّاس التّبن ويسقطون الإنسان مذبوحا، ليس جديدا علينا هذا الخوف فمنذ كنّا في الرّحم ونحن خائفين
حياتنا كلّها خوف ، نأكل التّبن والقشّ ونعلك الهواء وننام شاكرين، في سردابنا لا نري الشّمس ولا القمر ولا المطر ينزل علينا، ولا نرى الشّجر ولا الثّمر..
مع كلبنا في الكهف نحن نائمين، يا من يتساءل لماذا الكلب ينام معنا.. لا نعرف ربّما لأنّنا نخاف من الظّلمة، أو نخاف من الشّمس، فالكلب من الظّلام ومن الشّمس سوف يشفع لنا ويحمينا ، يا من يتسائل هل سنبقي نائمين؟ ربّما النّوم مع الكلب في الكهف أجمل فالخروج يصعب علينا وإن خرجنا سنبقي تائهين.
الحضارة سبقتنا كثيرا والأحسن أن نبقي ميّتين فاللّه يا سادة لا يضيئ طريق الجبناء الخائفين واللّيل لا يهدي التّائهين ، نام الجماعة في كهف الموت ومعهم كلبهم اللّهم إرحمهم فقد كانوا يعبدون الحكّام والمتسلّطين، وهم على فهم الحقّ والحبّ والحريّة عاجزين، اللّهمّ إن أرجعتهم للكهوف والحفر والتّراب أو حوّلتهم كلاب سيكونون لك شاكرين، اللّهم إنّك لا تضيع أجر المحسنين ولا تضيع أجر الفاسقين، اللّهم لقد إستعبدنا المال والخوف من النّار ومن القادة الأحرار فصرنا نسقط الأبطال ونرفع الأنذال، اللّهمّ إنّنا لا نفهم السّلام ولا الإحترام ولا نفهم رسالة الإنجيل ولا رسالة القرآن ولا نفهم ما معني اليمين ولا معني اليسار ولا نفهم الشّوري ولا نفهم التّغيير فأرحمنا أو غيّر أحوالنا إنّك على كلّ شيئ قدير، اللّهمّ إنّك في الموت والحياة أحكم الحاكمين وفي الحبّ أصدق الصّادقين، بالحبّ خلقتنا وبالحبّ تميتنا إنّك الحرّ والعليّ القدير.
،

Aucun commentaire: