mercredi 11 mars 2009

الحياة عربة مسافرين يقودها جوادين هما السّياسة والفنّ

لا تقدر هذه العربة أن تتحرّك بدون هذين الجوادين، فهي وإن كانت تحت تأثير السّياسة وحدها يعيش المسافرين القمع والتسلّط والخوف والرّعب وإن كانت تحت تأثير الفنّ لوحده يعيش المسافرين الميوعة والإنحلال والسّذاجة، السّياسة القويّة تفرض على الفنّان أن يكون قويّ وخلاّق..
في السّياسة يستعمل الإنسان العقل وفي الفنّ يستعمل الشّعور، فدور السّياسي خلق الأسس الصّحيحة الّتي ترفع الإنسان نحو الأفضل..وتعطيه الثّقة بالنّفس وتخرجه عن التّبعيّة الإقتصاديّة والفكريّة ودور الفنّان تجميل اللّوحة النّفسيّة لهذا الإنسان.
الفنّان وكذلك السّياسي يستعملان الكلمة.. وإن كذبت هذه الكلمة لديهما يموت الجوادين ويضيع المسافرين في الضّياع
السّياسة الّتي تقوم على الدّمقراطيّة وحرّيّة الرّاى والتّعبير والتّجديد تكسّر قوانين الموت وتعلن عصيانها فهي تضع الإنسان في بؤبؤ العين وتخلق له الأمن والفرح والطّمئنينة..
لماذا يتحمّس السّياسي وكذلك الفنّان للكلمة ويتجمّلان لها؟
لأنّ الكلمة تنتقل في دمّ النّاس وفي خلاياهم وفي أنفاسهم، فأيّ حظارة لا يلتقي فيها العقل والشّعور هي حظارة بلا جذور وبلا أسس، الكلمة تقتل وتحيي وبغير سياسة وفنّ لا يوجد طموح ولا رفعة، فالكلمة تتحرّك بها الحواس الخمسة ومستوي الشّعوب يقاس بمقدرتها على فعل السّياسة والفنّ، لا يقدر أيّ جهار مهما كان متطوّر أن يقيس كميّة الفرح أو الحزن الّتي تسبّبه الكلمة حين تكون صادقة وحين تكون كاذبة في نفسيّة الإنسان ولا يقدر أيّ إنسان أن يمنع الكلمة من التّحليق في الفضاء المطلق.
السّياسي هو ثورة ضدّ المحدود وسفر نحو المستقبل لا البقاء في الماضي، والفنّان هو إبحار نحو المدهش والمستحيل ونزوع إلى المطلق، السّياسة والفنّ كلاهما بحث عن الأجمل والأنبل والأفضل لهذا الإنسان..
الحياة بدون سياسة رائدة وفنّ رائد عدم وقانون غاب، فإن كانت السّياسة في بلد ما تعيش التّبعيّة يصبح الفنّ مرتزق ومنحلّ ويعيش حالة ركود وتبعيّة، ويشعر الفنّان بحالة إختناق لأنّه عليه أوّلا أن يكسب ثقة سيّده حين يقول له إنّي مطربك المفظّل وحبيبك المفظّل وإنّي بدونك أنا لا شيئ.
لذلك لا يمكن لرجل السّياسة أن يبقي على عنق الشّعب كي لا يصيبه الغرور، فالغرور قتّال، لا إكراه في السّياسة ولا في الفنّ، فالحرّ هو الّذي حين يشعر أنّ النّاس بدأت تملّ منه يلبس معطفه وينسحب، لأنّ الوصال دون إرادة يصبح عمليّة إغتصاب والإغتصاب حرام..
كلمة خلود لرجل السّياسة أو الفنّان كلمة مسرحيّة وعلى الإنسان أن يشغل نفسه بالوجود ولا بالخلود، فرغم المسامير الّتي تدقّ للشّعوب رغم أنفها تعرف الكلمة كيف تكسّر قشرة البيضة وتخرج، وتعرف كيف تفاجئ الأنانيين وهم يقومون بحمّامهم الصّباحي، فهي كلّ يوم تقصّ جزء من تاريخهم ودفاترهم وتجمّع لهم وضعيّة شعوبهم المخزية..
ليس هناك أمل أن توقّع الكلمة معاهدة صلح بينها وبين إنسان أناني، فالكلمة في ذروة كبريائها تعتبر نفسها هي السّلطانة ولا تحبّ من يشاركها السّلطة، وهكذا تتصارع السّلطات بين الكلمة والإنسان..
الحاكم لا يقبل بسلطة غير سلطته والكلمة لا تقبل بسلطة غير سلطتها، فلا يربح الرّهان معها إلاّ من يقول ويفعل الحقّ والحبّ والحريّة، هذه الكلمة لا تحبّ أن تكون العصافير تحت القمع والشّجر تحت الإستعمار والأطفال والنّهود تحت الظّلم، هي تريد أن تفتح مدارس في كلّ الأراضي الّتي تعيش أميّة العقل والعواطف، ليعلم السّلطان أنّه بوسعه أن يتصوّر نفسه سلطان ويحكم بأحكامه كما يشاء، لكن عليه أن يفهم أنّ لحم الكلمة لا يأكل لا نيّ ولا مشوي ولا مقلى ولا مطبوخ وعليه أن يفرّق بين لحمها ولحم الخرفان والفئران، ليعلم أنّ هذه الكلمة لا تنام ولها جهاز عصبي دائما في حالة إستنفار ورقابة، فالكلمة تستقبل الإنسان الظّالم والسّلطان الظّالم في جوّ من الحراسة المشدّدة في مكان مظلم، فحرس الشّرف يقدّموه لها على أنّه الأقوي من غيره والأشدّ، يودّعه الحرّاس الأحرار بألف طلقة نار وهناك ستسمح له أن يستمع للإسطوانة الضّوئيّة الّتي لم تكن تشغل باله، ففيها بصمات الأصابع ولون العين وطول القامة ولو جرّدته من العينين والعقل والشّعور والأصابع يبقي عاريا، الكلمة ليست حذاء يلبسها الإنسان ويخلعها متي شاء ، فكلمة جمال عبد النّاصر هي كلمة جمال النّاصر لا تتغيّر وكلمة فريد الأطرش وأم كلثوم ومحمّد عبد الوهاب هي كلمة فريد الأطرش وأمّ كلثوم ومحمّد عبد الوهاب لا تتغيّر، هذه الكلمة قاهرة وأمّ الدّنيا أي نور الدّنيا ونارها.
الكلمة ليل الدّنيا ونهارها فماذا نحن بدون كلمة صادقة تفعل في الحياة من أجل التحرّر والرّفعة بالإنسان والإنسانيّة وما هو عمر الإنسان أمام عمر الكلمة؟ فهي سيّدة الأزمان كلّها.. ونحن أمامها أطفال عابثون بلا عقول وبلا مشاعر.
السّياسة والفنّ رسالتين سماويتين تتابعهما السّماء بكلّ إنتباه فهما نورين ينيران الأرض عقلا وشعورا، هما الإثنين يعملان لأجل سعادة الإنسان وتطوّره وإخراجه من الظّلمات إلى النّور، فالسّياسة دورها ضمان حقّ المواطن في التّعليم والصحّة و الشّغل وضمان حريّة الرّأي وحريّة المرأة كي لا تكون تابعة للرّجل ماديّا بل تابعة له عاطفيّا وروحيّا فقط
وكذلك الفنّان عليه أن يعبّر عن مشاكل عصره بكلّ تلقائيّة وبدون خوف و عليه عدم السّقوط للإرتزاق والتمعّش من الفنّ، عليه أن لا يسقط هو الآخر في التّبعيّة الإقتصاديّة والفكريّة، فغير معقول أن يسير الفنّ أو السّياسة في جهة والشّعب في جهة أخري، فلا تعطي الجنّة للسّياسي أو للفنّان مجانا بدون نضال بكلمة صادقة وفاعلة، كلاهما مسؤول على صدق أقواله وأفعاله أمام الشّعب وأمام الكلمة، لا أحد قادر أن يهرب من كلمته ولا من صوته، ولا أحد قادر أن يكفر بكلمته وصوته فللإنسان أجمل الكلام وأجمل الأصوات، فشتّان بين كلمة الإنسان وكلمة الذّئب أو الخروف أو القطّ أو الكلب أو أي حيوان آخر,، الشّعب يريد آب حقيقي يموت لأجله وأمّ حقيقيّة تموت لأجله صدقا ومودّة وعطاء
حينها فقط تعطي الجنّة للسّياسي أو للفنّان مجانا. لأنّه قدّم أعماله للشّعب مجانا وقدّم حياته بدون أن يفكّر في نفسه
فهذه الدّنيا تفتكّ بالمال لكنّ الجنّة تفتكّ بالأقوال والأفعال والفرق بين الإثنتين أنّ الأولي فانية والأخري خالدة
فالسّياسي العظيم يعيش في ذاكرة الشّعب ذكري جميلة وكذلك الفنّان العظيم تخلّده الذّاكرة الشّعبيّة أمّا الّذي يعيش مع شعبه ذئب أو خروف قطّ أو فأر ينتهي في العدميّة والسّقوط فلا السّياسة قادرة على جرّ العربة بدون قيادة ملتزمة و لا الفنّ قادر على جرّ العربة بدون فنّ ملتزم بقضايا شعبه، هل لنا سياسي ملتزم بقضايا الشّعب بدون إستثناء وهل لنا فنّ ملتزم ؟؟ الفنّان والسّياسي لهما مسؤوليّة كبري أمام السّماء عن تقدّم أو إنحطاط شعوبهم
الشّعوب العربيّة تعيش الغربة لأنّ السّياسة وكذلك الفنّ يستوردونهم من الخارج فهما لا يراعيان خصوصيّة الشّعب وطموحاته، الشّعوب العربيّة تعيش في الضّياع بسبب الأنانيّة السّياسيّة وحبّ العرش لا حبّ الإنسان.

Aucun commentaire: