vendredi 13 mars 2009

الحبّ في المعتقل الأسود

حكمت المحكمة الإبتدائيّة على الحبّ بالسّجن مع الأشغال الشاقّة مدي الحياة بتهمة أنّه أمر العصافير أن تحلّق كما تريد والسّمك أن يسبح كما يريد والنّاس أن تتكلّم وتحلم وتغنّي كما تريد، كان للحبّ جوادين واحد أحمر والآخر أبيض، الأوّل يستعمله في حربه ضدّ من يعبدون الأصنام والأبيض يستعمله ضدّ من جعلوا أنفسهم أرباب، حين دخل الحبّ للزّنزانة العسكريّة حزنت الأشجار والعصافير والأزهار وأعلن النّاس الإضراب عن الأكل أربعون يوما ونكست الأعلام ولبست النّساء الأسود إعلانا بالحداد.. إنتحر الجوادين حزنا على الحبّ وجاء ربّ جديد وأمر أن يعوّض الجواد الأحمر ذهب والجواد الأبيض فضّة..وقال أنا ربّكم الأعلى فأعبدوني..
كما أمر أن ترجع عبادة الأصنام وعبادة الأرباب، غيّرت الحرب مسارها وتاهت النّاس في الظّلمة، هذا الرّب الجديد جعل النّساء في الإفلاس العقلي والعاطفي، جعل المرأة تلتصق بالرّجل ملايين السّنين كالقطّة المنزليّة، هذا الرّب جعل المرأة تنسي غريزة الكلام فقد حوّلها حيوان ناطق، وبسكوت المرأة سكت الوطن وأعلن الإضراب عن الكلام، منعها الرّب العظيم من تتعلّم القراءة والكتابة وتزوّجها بغير رغبة ومنعها من مغادرة بيت الطّاعة، تشكّلت المسكينة في رحم القوّة الذّكوريّة فقد أصبح لحمها رغيفا يأكله الجائعون ومنزلها مخبئ يلجئ إليه الخائفون، وإحترق الوطن ومات إحتراقا وإختناقا .. ليست المرأة هي المذبوحة الوحيدة ، لكنّها في القمّة من قائمة المذبوحين، فقد كانت النّاطق الرّسمي للعشق وأصبحت تخجل حين تقول أحبّ..أصبحت تقول في نفسها عيب لو قلت أحبّ سوف تهتزّ الأرض من حولي والعالم سيحترق وستخرج المظاهرات مطالبين برجمي بالحجر الأسود، وسأقف أمام الرّاهب ليحكم عليّ بالإعدام شنقا لا لأشيئ إلاّ لأنّي قلت أحبّ، الحبّ حرام وأكبر حرام لذلك عليّ أن أدفن هذا الحبّ و هذا الوطن و هذا الرّب في قبر واحد، فهذا الرّب دفنني أنا والخوف في قبر واحد وجعلني طنجرة تنتظر الإنفجار بين لحظة وأخري...
بقي الحال على ما هو عليه وجئنا للحياة وإصطدمنا بهذا الواقع المرّ ، فأنا شخصيّا عندما كنت صغيرة كانت أمّي تحذّرني من اللّعب مع القطّ الأسود وعدم الإقتراب من الخنزير والرّهبان، لم أكن أعلم لماذا أمّي تخيفني من القطّ الأسود والخنزير والرّهبان بل لماذا تكره هذه الأشكال المرعبة، كبرت وفي مسيرة حياتي كان شعور بالخديعة يكبر معي...
كنت أشعر أنّني مخدوعة كبنت، كأمّ، كزوجة، كأخت ، كصديقة وأشعر أيضا أنّي لا أعيش الحبّ بل أعاني منه كثيرا، أنا أحبّ أن أعيش بتلقائيّة الأطفال مع هذا الحبّ، فالطّفل لا يطلب تأشيرة كلام ولا تأشيرة تفكير حين يقول أحبّ ، ذاك الحبّ له عندي نكهة خاصّة ومليئ بالعطور، فهو لا يلبس نفس الثّياب ولا يضع نفس المكياج ولا يترك بصمات رديئة على النّفس، عند الأطفال الحبّ يعيش البراءة دون محاكمة ودون حراسة يعيش مع الألوان ويكره السّواد والضّباب، فالأزياء ترتقي به وترقص معه، وتفرح الكلمة ويفرح الإبداع وتفرح الثّقافة والسّياسة والفنّ لا لشيئ لأنّ ذاك الحبّ واضح وبريئ وسعيد بالحبّ الحرّ.. ذاك الحبّ ليست له مصالح ماديّة.. لا أحبّ أن يكون الحبّ غزالا مطاردا أو طير مصلوب، أو إنسان كئيب..

الحبّ الذّي يعيش بالحراسة يحطّم قدرات المرأة ويحوّلها شريحة لحم يأكلها الرّجل بالأسنان، ويحطّم قدرات الرّجل ويجعله شريحة لحم يأكله الوطن بالأسنان هذا الحبّ يأمر أن تبقي المرأة في الأشغال الشاقّة مدي الحياة حتّي تنطفئ روحها وتموت ، ويأمر أن يبقي الرّجل في الخوف والثّبوت مدي الحياة حتّي ينطفئ هو والوطن ويموت هذا الحبّ يمنع الشّجرة أن تزهر ، والصّوت أن يتكلّم ويمنع الورد أن يفوح، ويمنع الإنسان أن يتكلّم ويحلم ويفرح.
عدوّ الرّجل ليست المرأة وإنّما هو تاريخ أسود ونزيف دمّ متواصل فرضه اللّيل على شمس الحبّ والحريّة، القضاة ديوك والنّساء دجاجات للحمل والولادة، لا يوجد في الوطن العربي إلاّ وجه واحد يتكرّر، الغيرة على المحبوب، الخوف عليه، الخوف منه ،قتل المحبوب من فرط العشق، الشّروط المجحفة في الزّواج، الكذب على المحبوب في فترة الخطوبة، الصّدام بالواقع المرّ.. ثمّ الوقوع في السّجن المؤبّد أي الحكم المؤبّد والزّواج المؤبّد ومن ثمّ الأمراض العضويّة والنّفسيّة والإجتماعيّة، بوقوع الحبّ في السّجن كلّ شيئ يصبح مريض.
هذا الحبّ عندنا يعيش العصبيّة والثّرثرة والعهر، نادرا ما نجد إنسان في حالة نفسيّة جيّدة أو في صحّة جيّدة فنحن لا نعيش الحبّ وإنّما نعيش مرض الكلب العاطفي والمادّي..

الحبّ عندنا يعيش الصّقيع والثبوتيّة والجهل والأميّة والتّبعيّة، فهو غير متحرّك لا يضيئ النّفوس وليس له كلام جميل.. له كلام قاتل، وممارسات رديئة جدّا، نحن أموات ببطل ميّت وهو ضوء الحبّ والحريّة.. فبعدما كان الجواد الأحمر والأبيض يسوقان عروسة كلّها حبّ وإحساس وأحلام وأمل أصبح جواد الذّهب الأحمر وجواد الذّهب الأبيض يسوقان دمية وصخرة ميّتة العواطف والإحساس تكسّر الأحلام وتكسّر الآمال وتقتل الطّموح الإنساني.
مات الرّجل في حريق الحرب بسبب جعل الحبّ يعيش في السّواد ويحرسه الحرّاس. وماتت المرأة في حريق الثّبوت والأنانيّة ومات الحبّ في السّجن مخنوقا في الظّلمة وراء القضبان.
رفعت الجلسة إلى محكمة عليا للإستئناف والمرافعة وأمر قاضي القضاة أن يكون الحكم بالعدل وبدون مساومات
ولا رشاوي على كلّ ظالم وكلّ مظلوم.
فليس كلّ إنسان يستحقّ الحبّ والحريّة والحياة الأبديّة.
أيّها الحبّ العظيم، هل أنت هو الرّب أم الإنسان هو الرّب؟
هل أنت العبد والإنسان هو الحرّ ؟
هل أنت الظّلام والإنسان هو النّور ؟
هل أنت المحكوم والإنسان هو الحاكم ؟
هل أنت العقد والغرائز المتوحّشة أم هو الإنسان ؟
ثمّ هل هو الحبّ نعمة أم هو نقمة وتوحّش؟
هل هو الحبّ رغيف وماء الحياة الصّافي أم هو نجاسة وماء كريه الرّائحة ؟..
،

Aucun commentaire: