dimanche 15 mars 2009

لماذا نخاف من الموت

كلّنا يعلم أنّ السّماء حبّ وحريّة وعطاء بدون مقابل ، والأرض موت وظلم ووحشيّة وقذارة، هذا الموت يمدّ جذوره في أعماقنا ويعطينا لذّة أن نعيش تجربة الموت والولادة ونكتب عليها لكي تمنحنا شكلا جديدا أجمل وأرقي..فالتّجربة في الحياة إذا هي شرط أساسي ، فالإنسان الّذي لم يعش تجربة الموت وتجربة الولادة ولم يعاني منها لا يقدر أن ينقلها للآخرين..
فالوصول إلى مرحلة الأمومة يمرّ بمرحلة التوحّم هذا يعني أن يتقيّأ الإنسان خطايا الماضي لكي يستقبل الرّحم مولود جديد ثمّ تأتي عمليّة الحمل والمخاض وهي الأشدّ عنف فهي كيفيّة المحافظة على هذا المولود من التّشوّهات، فالحياة بكلّ إغراءاتها تسعي لكي تشوّهه، والإنسان في صراع كي يبقي المولود كما يتمنّاه جميل وخالي من الأمراض النّفسيّة.. لكي نكتب عن الموت علينا أوّلا أن نعيش الموت ونفهم معني الولادة، الإنسان لا يؤمن بالنّار إلاّ إذا إحترق بها ولا يؤمن بالبحر إلاّ إذا جرّب تجربة الغرق، ولا يؤمن بالأمومة إلاّ إذا عاشها بالفعل، فالأم

تحبّ أن يكون إبنها من أجمل الأبناء ، وهذا الطّموح أورثته لنا فنحن دوما نسعي للأجمل والأنقي فالمرأة تحبل بالمولود كما تحبل الكلمة بالقصيدة فالشّاعر يعيش عمليّة ولادة بمراحلها الأربعة كي تطلع مشعّة ويقبلها النّاس ويفرحون بها ونحن كذلك علينا أن نختار لأنفسنا أجمل الأشكال الطّبيعيّة ونقوم بعمليّة تقيّأ لكلّ الخطايا الماضية ثمّ نختار مولود طبيعي جميل ونموت لأجله.. فعلى الكلمة أن تساعدنا كي نختارهذا الشّكل الجديد لأرواحنا بعد الموت فالنّار تمنحنا الإحساس بالحريق على هذا المولود والماء يبعث فينا الإحساس بتنظيفه جيّدا والتّراب يبعث فينا الإحساس بالعمل لأجله والهواء يبعث فينا الإحساس بتحريره والألم يمنحنا الإحساس برفض هذا الوجود وتغييره للأجمل، فغربة الإنسان تكمن في كيفيّة صنع وجوده بنفسه في هذا العدم وهذا الموت..كلّ إنسان هو بيضة ملقّحة بالضّوء
وكلّ بيضة لها أسرارها الخاصّة بها.. إذا محتوي البيضة علينا نحن أن نقرّره وذلك بعمليّة إنقلاب كامل على طبائعنا تجاه الآخرين..

أنا شخصيّا الخوف يأتيني عن طريق أنثي سكنت فيّ هموم وأزمات وعقد، أنثي إمتلكها الرّجل وأشعلها كعلبة كبريت ولم يجد منها في النّهاية إلاّ الفراغ والإكتئاب والأحزان.. هذه الأنثي تسكنني بحر من الدّموع، تسكنني صورة سوداء عنيفة، تسكنني ظلام، تسكنني شجرة ثابتة، لذا عليّ أن أكسّر السّجن الّذي سكنت فيه لكي تعطيني الأمان والطّمأنينة فهي ليست الأمّ الّتي أملكها بل هي الأمّ الّتي تملكني غصبا عنّي فلا تحرّرني إلاّ إذا حرّرتها .. وأنا أكتب أشعر دوما إنّي أسكن في مكان غير مريح وأحتاج دوما إلى الطّمئنينة، وهذه الأمّ الغارقة في أحزانها هي الّتي تعطيني الشّعور بالأمان، فهي حزينة لأجلي، فأمّي تمثّل لي القلب والقلب كلّه حنان ومحبّة، إذا أنا في خصام مع من؟ طبعا مع الآب .. الأب يعطيني الشّعور بالخوف والأمّ تعطيني الشّعور بالحزن الأب يسكنني سلطة والأمّ تسكنني خوف من السّلطة، إذا أنا أعيش بهذا الحزن و هذا الخوف في سجن تعيس مظلم، ردود فعلي خرجت عن المعقول وبدأ صراخي يعلوا في ليل دامس مخيف مليئ بالأشباح، أشياء سوداء تلاحقني وتتفاعل في وجداني والجاهليّة سكنت في فكري وفي سلوكي.. وأسأل نفسي من المخلّص من الخوف والحزن؟ وكيف ستكون لي القدرة على إقامة حوارات مع هذه الأشباح السّوداء المخيفة ، وهل أنا خلقت لكي أحزن وأخاف؟ ما هو ذنبي ؟ ما هي خطيئتي؟ حقيقة أنا ضعيفة جدّا وهشّة جدّا، من سينقذني من هذه الزّوابع وهذا الظّلام الدّامس، لا أملك أمام هذا اللّيل أيّ وسيلة للدّفاع عن نفسي، هل هناك وسيلة أرفع بها السّكين عن عنقي، في هذه الحالة لا بدّ من إنسان قويّ أقوي منّي يساعدني عن الخلاص، هو من رفع السكّين من فوق رقبة إبنه البريئ الّذي قبل الموت لأجله ففداه بكبش، ورفع المظالم على إبنه الإنسان الكلمة الّذي مات لأجل تحرير الإنسان فرفعه.. هذا ىالمخلّص لا يكون قاطع طريق ، ولا يكون في تنظيم مسلّح، ولا يكون ظالم..
يكون مع الحياة ضدّ الموت ومع النّهار ضدّ اللّيل ومع الجمال ضذّ القبح، ومع الحريّة ضذّ الملكيّة، ومع الحبّ ضدّ الكراهيّة، ومع الطّفولة ضدّ الوحشيّة، إستلهمتني صورة السيّد المسيح وكلمة السيّد المسيح الّتي تدعوا للتحرّر من الموت عن طريق حبّ الموت لأجل اللّه الحبّ، يجب أن يسكن في خيالي هذا الآب المحبّ، فهو من معدن ثمين والآخرون من معدن رخيص، فهو من ضياء والآخرون من فحم، يجب أن يسكن خيالي عقل محبّ للإنسان لا عقل مدمّر للإنسان ، يجب أن يسكن عقلي الباطن إنسان يقوم بكشف الزّيف للزّائفين، عقل فدائي يكسّر أنياب الوحش الكبير ويقصّ له أنيابة كي لا يفترسني، يجب أن أستحضر آب حقيقي يموت لأجلي ولا يعمل لقتلي وسحقي من الوجود، هذا الأب هو الّذي يحميني من الذّئاب ويخاف عليّ ويعمل على تحريري من الظّلم والموت.. كم أنا في حاجة إليه في غربتي هذه وليلي هذا بمساعدته أقدر أن أصرخ في وجه الظّلم والظّالمين، هذا العقل عليه أن يبني فيّ جهاز مناعة ضدّ البشاعة والموت ، وحتّي إن قتلوني هو القادر أن يجمّعني ولو كنت شظايا ..
ما يجب أن يسكن عقلي الباطن هو إنسان عاشق للحياة وليس إنسان مدمّر للحياة..
إذا خوفي من الموت ما سببه ؟ هو خوف من السّقوط إلى الأسفل، فالإنسان نزل يحمل ذرّة الطّموح إلى الأجمل،، نزل يبكي يحلم بالضّحك، نزل خاطئا يحلم بإصلاح نفسه، نزل مظلوما يحلم بالحقّ ، نزل سجينا يحلم بالحريّة،، نزل وحيدا يحلم بالحبّ والتوحّد الرّوحي، العديد من النّاس يتركون أمرهم للكلمة تشكّل ولادتهم الجديدة كما تريد ولا يشاركونها في عمليّة ولادتهم الجديدة ، أو هم يشاركون بالسّلبي لا بالإيجابي فتأخذهم في متاهات أخري لا إنسانيّة
فهي الّتي تقوم بعمليّة الوحم وعمليّة الحمل والمخاض ثمّ حين يموتون تفاجئهم أشكال أخري لا يرغبون فيها حينئذ عليهم بالإمتثال والصّمت ، هؤلاء لا يعرفون قيمة الكلمة.. هؤلاء يعتبرون نفوسهم مظلومين، فهم لم ينتبهوا للعقل والشّعور والأشكال الّتي عرضت عليهم في الأحلام.
لذلك عليهم أن يعملوا على فرض شكل أجمل وهذا من حقّهم، فتلك عمليّة إستفزاز لكي يدخلوا معها في حوار.. هنا لا بدّ أن يسكننا خوف كبير من التّشوّهات ويسكننا طموح كبير كي نقضي على تلك التّشوّهات، لأنّ أمراضنا كلّها نفسيّة بالأساس وموجّهة خصّيصا لنا ، يعتقد بعض هؤلاء المرضي أنّ السّماء تكرههم لكن بالعكس فهي تستفزّهم ليعرفوا طبيعة المرض وماذا يعني، الخطأ في نفسيتهم وطريقة معاملتهم الّتي تتطلّب تصليح يقومون به بأنفسهم.
الكلمة لا تمزح مع الإنسان فلا تعطي المرض ولا تعطي المولود إلاّ بالإرادة والطّموح،، فمن يريد نفسه عصفور عليه أن يقتدي بمبادئ العصفور ومن يريد نفسه ديك عليه أن يقتدي بمبادئ الدّيك، هي لا تظلم أحد..
الكلمة موجودة قبل العناصر الأربعة وأيّ شكل يحبّه الإنسان ويعمل لأجله هي تحت أمره، بالكلمة كلّ إنسان له بصمة في الحياة، فإن متنا في شكل غير مرغوب فيه فعلينا أن نعلم أنّه الشّكل الّذّي تعاملنا به مع النّاس وقد شكّلته الكلمة ونحن لا نعلم .. تركناها هي تقرّر ولادتنا الجديدة، فالمولود الجديد علينا أن نموت لأجله فعمليّة الموت هي عمليّة ولادة جديدة، السيّد المسيح مات لأجل الإنسان لماذا ؟ ليرفع عنه المظالم ، لكن حين يكون الإنسان ظالم فهو بريئ منه.
ومن يشعر أنّه أصبح إنسان عليه أن يموت لأجل الإنسان الحرّ.
السيّد المسيح روح وكلمة مقدّسة موجودة في كلّ إنسان وهذه الولادة معه صعبة جدّا فالأولويّة له أن يكون هو إنسان حرّ..فهو لا يعطي الحريّة إلاّ لنفسه لأنّه روح قدس وكلمة مقدّسة، وهو مولود من هواء والكلمة هواء.
لذلك كما هو عشقنا ومات لأجلنا علينا نحن أن نعشقه ونموت لأجله، فهو الأقوي من كلّ البشر والأنبل من كلّ البشر، نموت لأجل الّذي مات لأجلنا، ، لأنّه العاشق الأبدي للإنسان والكون والقادر الوحيد الّذي يقول للشّيئ كن فيكون
نحن عقول تخطئ وهو عقل لا يخطئ، هو من ضياء ونحن من ظلال.، فلا روضة إلاّ وفوقها طائر
هذا الهوي سلطان يتغنّي بروعة الإنسان
فيه نبع من الحنان وتباشير الجناح
الحبّ سرّ الوجود فيه أناشيد الخلود
فيه ضياء السّماء فيه الطّموح وفيه الرّجاء
أعاد لنفسي خيالا جميلا كثير الجمال كثير النّقاء
تهت في دهاليز الحياة وسدّت أمامي مناحي الدّروب
ولمّا أظلّ مسائي السّماء وقفت سألت أين المصير
فخفقت فيّ أغاني الوجود وإخضرّ فردوس نفسي الشّريد
..

Aucun commentaire: