mercredi 7 avril 2010

هاتف جوّال

عاد حسن وقد سوّي مشكل عودته يعيش في مقهي صداقاته الصّغيرة في مقهي الفقراء ويستمتع بأغاني صليحة حين تقول أمّ الحسن غنّات فوق الشّجرة، أمّ الحسن تعلّمني بمحبّة ولا تتذمّر منّي أبدا، أخطائي كثيرة لكن تجاربي في المواضيع الحسّاسة جيّدة
حسن أكسل صديق عرفته في حياتي لا ينام جيّدا بسبب الكوابيس والجوع والبرد عندما ينتهي ليله في الملاهي اللّيليّة يبدأ ليله المشؤوم مع الآلام والأوجاع والكوابيس والخوف من الظّلمة’ حسن يريد أن ينام في الضّوء فهو يخاف من الظّلام والظّلمة
إذا سقط الثّلج أتذكّر صديقي حسن ولا أجد في طريقي
سوي شجرة قطرات الدّموع تغطّي أغصانها

أتذكّره وأتذكّر عذابه وآلامه على عود الشّجرة، لا أحبّ أن أتذكّر ذاك العذاب ، إشتياقي لرؤيته يحزنني ولا أحبّ أن أتذكّر حزنه على ذاك البرنامج الّذي ضاع منه
يعرف حسن أنّ صديقه مهووس بالسّياسة والتّاريخ والجغرافيا لكنّه فقير الحال
حذائه يتسرّب منه الماء

قال لي أنا يتيم متشرّد، يلتفت يمينا ويسارا فلا يجد من يعطيه المال لكي يطبّق مواهبه التّاريخيّة والجغرافيّة والسّياسيّة
أضحك عليه وأقول العزاء في عشّاق المال والفساد بدون فائدة
أسأله عن اللّغة العربيّة والأصالة والعروبة
يموت ضحكا على اللّغة العربيّة ويسبّ العرب ومن ينطق بالعربيّة
ويقول أنا لست عربيّ أنا كلّ شيئ إلاّ عربي، أنا كافر بالعرب أنا ملحد
منذ كنت صغير وأنا أعلف في الكتب العربيّة مثلما يعلف الحمار القشّ
كنت أحسبها لغة الخلق والإبداع، لغة الشّعراء، لغة العلماء، لغة
الألم واللّذة، كنت أحسبها لغة النّار لغة الحلم والجمال
فوجدتها مثل إمرأة عجوز تركب حمارة
وتتلحّف بخرق مرقّعة بالية وسخة وقارسة تسمّي الوطن العربي
ليس لي علاقة لا بالتّاريخ ولا بالجغرافيا ولا بالسّياسة
سأصبح فلاّح لكي أبتعد عن العهر العربي وأنسي همومي
التّاريخ والجغرافيا والسّياسة صاروا هوسا يعيشهم في الحلم واليقظة
قال لي سرت أتخيّل نفسي قلما أو حرفا من نار، بئس الحلم والكوابيس
أحيانا وأنا في بلاد الغربة لا أجد ثمن شراء دفتر
فألتقط ورقة من الشّارع لأكتب عليها مذكّرات حمار تافه

لكنّ الكتابة تنعدم في الزّيت كلمة هنا وكلمة هناك كالخرقة البالية وتتكوّن على الورقة أنواع من التّشكيل الصّبياني والزّخرف الفارغ
وأقول قذارتي كانت في الشّهوات الجسديّة أحسّ أنّني لم أتمتّع أبدا بها
لا أتوقّف على سبّ نفسي أنظر في المرآة وأقول هذا أنت يا... ؟
أقول له صديقك
له هاتف جوّال كلّما كلّمته إلاّ وقفل في وجهي الخطّ..
رجل جبان هاتفه لا يستعمله إلاّ بأطراف الأصابع
لم نكن نجحد عليه شيئا، كنّا نساعده ببعض النّقود والسّجائر
حسن آت من طريق البحريّة
عشيقته شقراء قد تكون لها طباع قطّة مساكسة

هي عنيدة وأنا لا أقدر أن لا آخذ لها حقّها منه
هي الآن لا تحبّ أحدا منّا لكنّها تبحث عن الحبّ الحقيقي
قلت لها إنّك أعطيت العهدة لطفلين لا يعرفان كيف يحلّلان سرّ واحد من أسرار العالم
لقد سمعت أن هؤلاء الطّفلين كانوا يكتبان عن الحبّ الحقيقي
قلت لها لقد وجدت العزاء فيهما صليب أحمر وهلال أحمر
حبّ مشروط بالموت والألم والمرض والحزن والجنون والحرب
أنت أنثي عظيمة لكنّ النّار لا تخلّف إلاّ الرّماد
طفلين: واحد يقول لنا إركعوا على التّراب
والآخر يقول إرفعوا رؤوسكم للسّماء
لكنّ النّاس لا تفهم لماذا نركع ولماذا نرفع رؤوسنا للسّماء
النّاس لا تفهم ما معني التّراب وما معني الهواء
النّاس لا تفهم ما معني ملكيّة وما معني حريّة
النّاس لا تفهم أنّ السّماء أرادت أن تبلّغ للأبناء
أنّ الذّي يموت لأجل الهواء هو للسّماء
والّذي يموت لأجل التّراب هو للأرض
وسيّد الأرض عليه أن يكون عاشقا للمساواة
وسيّد السّماء عليه أن يكون عاشقا للحريّة
لا فرق عندها بينهما كلّ واحد يكمّل الآخر
أتأمّل غيبوبتها وتنفّسها الواهن
وحزنها الشّديد من هذين الولدين، لحمها أزرق من شدّة العياء والبكاء
لها اللآن جمال إمرأة ميّتة مشتهاة في كلّ الأزمان لم يعد فيها ما يغري الرّجال
فقدت كبريائها وتباهيها، لقد تحرّرت من كلّ خداع وكلّ زيف بشري
وأصبحت حمامة حرّة
و البستني فستان همّها وشقائها الأزرق

فما كان منّي إلاّ أن دخّنت كالسّيجارة لكي
أفكّر في العلاقات البشريّة القذرة والصّداقات القذرة

وحلمت بصفّ كبير من الدّيوك والكباش المذبوحة
لأجل مضاجعة أنثي بدون رضاها

من أنت يا إبن الصّحراء؟ من أنت يا إبن البحر؟
هل أنتما أرباب أم أحباب أم أشباح أم أغراب
من عرّفني بكما من نزّل حرف إسمي في حرف إسمكما
بدونكما لا أقدر أن أتحرّك أنتما عقلي وشعوري، أنتما شمسي وبدري
ما هذا الدّم المسفوك، ما هذه العاصفة، ما هذه الحرب؟
لأجل ماذا ؟
حقّا أنا خائفة منكما ؟
هاتف جوّال
هل يكفّ عن الإبتذال؟ هل يصنع المحال؟
هل يذهب عن طريقه القبح ويبقي الكمال الجمال
هل تموت به وحشيّة الحيوان ويحيا به الإنسان
وكأنّي بأخوين يلتقيان في الزّمن المرّ تحت ظلّ شجرة حزينة
ليس فيها عصافير يغرّد فوقها الحمام والبوم بصوت حزين
ويبكي فوقها السّحاب بالأبيض والأسود ويرعد ويبرق
وهي في سبات عميق الحياة بالنّسبة لها هي الفناء والحريق
يا أللّه العزيز هل خلقتنا بالحبّ والعشق لكي تحرقنا بالنّار
أم هذه النّار نحن اللّذين صنعناها لأجل الهيمنة والتّسلّط على بعضنا
الهدف المنشود هو خلق الجنّة
والجنّة هي المساواة على الأرض أوّلا ثمّ الحريّة في السّماء
وكلّ إنسان هو روح وكلمة وإبداع وخلق وموهبة
لا يموت إلاّ الحيوان أمّا الإنسان الحقيقي لا يموت ولا يفني
وكأنّ الآب قد قسم نفسه إلي إثنين في صورة الإنسان
ليكون موجود في الأرض والسّماء
الأرض لتحقيق المساواة ( الشّجرة)
والسّماء للحريّة


1 commentaire:

marrokia a dit…

رائع جدا